الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ مِنْهُمْ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَلَا عَلَيْهِمْ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِانْتِفَاءِ الْعَدَالَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ، هَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ عِصْمَةَ الأستري وَهُوَ بَيِّنٌ وَفِي الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدْعُو إلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَسَوَاءٌ كَانَ مُرْتَكِبًا لِلْبِدْعَةِ مُتَعَمِّدًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُتَأَوِّلًا.
فَرْعٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ لِي مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ فِي الْقَاضِي يَبْلُغُهُ عَنْ الرَّجُلِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي دِينِهِ مِثْلَ الْإِبَاضِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ أَنَّهُ إذَا تَوَاطَأَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، نَرَى أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مِنْهُ تَوْبَةٌ وَتَوَرُّعٌ بَيِّنٌ ظَاهِرٌ.
وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ لِي ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ عُرِفَ بِالْبِدْعَةِ، وَمَنْ كَانَ خَلَعَ الطَّاعَةَ وَمَنْ رَجَعَ وَثَبَتَ عَلَى بِدْعَتِهِ، وَمَنْ تُسَمَّى بِذَلِكَ مُسْتَهِلًّا وَدَعَا إلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَعَادَى عَلَيْهِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَكَذَا مَنْ سُمِّيَ بِذَلِكَ وُوسِمَ بِهِ وَاسْتَوْطَأَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مُبْتَدِعًا كَانَ أَوْ خَارِجِيًّا، قَالَ وَأَمَّا غَيْرُ الْمَعْرُوفِ بِذَلِكَ وَإِنْ لُطِّخَ بِمَا لَمْ يُؤْتَ عَلَيْهِ بِالْأَمْرِ الْمُصَرِّحِ الْبَيِّنِ، فَأَجْرِهِ مَجْرَى غَيْرِهِ يُجِيزُهُ مَا يُجِيزُ الْعُدُولَ مِنْ التَّسْمِيَةِ بِالْعَدَالَةِ، وَيَرُدُّهُ مَا يَرُدُّ الشُّهُودَ وَيُوهِنُ شَهَادَتَهُمْ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ لَا تُعْرَفُ عَدَالَتُهُ وَلَا سَخَاطَتُهُ، هَلْ يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الْعَدَالَةِ حَتَّى تَثْبُتَ عَدَالَتُهُ أَوْ حَتَّى يَثْبُتَ فِسْقُهُ؟ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ حَتَّى تَثْبُتَ عَدَالَتُهُ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالْحَسَنُ إلَى أَنَّهُ مَقْبُولٌ حَتَّى يُعْرَفَ فِسْقُهُ. قَالَ: وَمُجَرَّدُ الْإِسْلَامِ يَقْتَضِي الْعَدَالَةَ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى.
وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَهَادَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ، فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْوَجِيزِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُبْتَدِعَةِ إذْ الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ لَا يُكَفَّرُونَ وَلَا تُقْبَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute