للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَأَيْت قُضَاةَ شَرْقِ الْأَنْدَلُسِ يُجِيزُونَ كُتُبَ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ فِي الْأَحْكَامِ بِالْخَاتَمِ، وَمَعْرِفَةِ الْخَطِّ وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ الْقَاضِي إلَّا الْعِنْوَانَ لَا غَيْرُ، وَإِنْ كَانَ حَامِلُهُ هُوَ الْمَكْتُوبُ لَهُ الْمَحْكُومُ فِي قَضِيَّتِهِ، وَيَبْعَثُونَ حَامِلَهُ وَيُسَلِّمُونَهُ لَهُ مَخْتُومًا، قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي مِمَّا لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا إنْفَاذُهُ، سِيَّمَا إذَا كَانَ حَامِلُهُ صَاحِبَ الْحُكُومَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ: إذَا كَانَ حَامِلُهُ صَاحِبَ الْحُكُومَةِ لَمْ يَجُزْ فِيمَا هُوَ أَخَفُّ مِنْ هَذَا، هَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ، وَالْقَضَاءُ بِهِ مَنْسُوخٌ، وَلَمْ يُجِيزُوا أَنْ يَحْمِلَهُ صَاحِبُ الْحُكُومَةِ مِنْ عِنْدَ الْفَقِيهِ أَوْ الْأَمِينِ وَشَبَهِهِ، فَكَيْفَ فِي نَفْسِ الْحُكُومَةِ مِنْ قَاضِي بَلَدٍ إلَى قَاضِي بَلَدٍ.

وَفِي الْمَذْهَبِ لِابْنِ رُشْدٍ قَالَ سَحْنُونٌ: إذَا شَهِدَ عَلَى كِتَابِهِ وَخَاتَمِهِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ، جَازَ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْتَبَ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ مَخْتُومٍ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الشَّهَادَةِ، إذْ لَوْ شَهِدَا بِخِلَافِ مَا فِي الْكِتَابِ لَجَازَ إذَا طَابَقَ ذَلِكَ الدَّعْوَى، وَلَوْ شَهِدَا بِمَا فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ مَخْتُومٍ لَجَازَ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ الْقَاضِي أَشْهَدْتُكُمَا أَنَّ مَا فِيهِ حُكْمِي لَجَازَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ مَا فِي الْكِتَابِ حُكْمِي لَكَانَ كَافِيًا.

فَرْعٌ: وَلَوْ أَنَّ الْكِتَابَ الْمَخْتُومَ دُفِعَ إلَى جَمَاعَةٍ وَأَشْهَدَهُمْ الْقَاضِي الَّذِي دَفَعَهُ أَنَّهُ كِتَابُهُ، فَكَانَ الْكِتَابُ عِنْدَ أَحَدِهِمْ، حَتَّى قَدِمُوا الْبَلَدَ الَّذِي فِيهِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، فَإِنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ الْكِتَابُ يَشْهَدُ، وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَإِنْ أَثْبَتُوهُ وَعَرَفُوا أَنَّهُ طَابَعُ الْقَاضِي وَكِتَابُهُ فَلْيَشْهَدُوا، قِيلَ لِمَالِكٍ: وَكَيْفَ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ؟ قَالَ هُمْ أَعْلَمُ، قَالَ أَصْبَغُ إنْ لَمْ يَعْرِفُوا فَلَا يَشْهَدُوا، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُمْ الَّذِي عِنْدَهُ الْكِتَابُ عَدْلًا مَأْمُونًا وَلَوْ كَانُوا حِينَ أَشْهَدَهُمْ الْقَاضِي عَلَى الْكِتَابِ كَتَبُوا فِيهِ شَهَادَاتِهِمْ وَعَلَامَاتِهِمْ كَانَ أَحْسَنَ.

وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ: كَانَ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ إجَازَةُ الْخَوَاتِمِ، فَكَانَ الْقَاضِي يَكْتُبُ لِلرَّجُلِ الْكِتَابَ إلَى الْقَاضِي، فَمَا يَزِيدُ عَلَى خَتْمِهِ فَيُجَازَ عَلَى خَتْمِهِ لَهُ، حَتَّى حَدَثَ الِاتِّهَامُ فَأُحْدِثَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى خَاتَمِ الْقَاضِي أَنَّهُ خَاتَمُهُ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَفِي الْبُخَارِيِّ أَوَّلُ مَنْ سَأَلَ الْبَيِّنَةَ عَنْ كِتَابِ الْقَاضِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ.

وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ كَانَ إذَا جَاءَ كِتَابٌ مِنْ قَاضِي مَكَّةَ إلَى قَاضِي الْمَدِينَةِ أَنْفَذَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَالْتَزَمَ النَّاسُ الْبَيِّنَاتِ عَلَى الْكُتُبِ الَّتِي تَأْتِي مِنْ كُورَةٍ إلَى كُورَةٍ، فَإِذَا جَاءَ مِنْ أَعْرَاضِ الْمَدِينَةِ إلَى قَاضِي الْمَدِينَةِ قَبِلُوهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، يُجِيزُونَ فِي ذَلِكَ بِمَعْرِفَةِ الْخَطِّ وَالْخَوَاتِمِ وَالْجَوَابُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْحُقُوقِ الْيَسِيرَةِ.

وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ نَحْوُ هَذَا أَنَّهُ يَقْبَلُ الْعَامِلُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>