للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَصْلُ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُهُ بَعِيدًا فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ يَكْتُبُ بِرَفْعِهِ: وَالْبَعِيدُ مَا زَادَ عَلَى مَحَلِّ الْقُرْبِ، فَقِيلَ إنْ كَانَ بَعِيدًا نَائِيًا فَلَا يَبْعَثُ إلَيْهِ بِالْقُدُومِ وَلْيَكْتُبْ إلَى أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْأَمَانَةِ بِمَوْضِعِهِ فَيَأْمُرُ مَنْ يَكْتُبُ إلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ وَيَأْمُرَهُمَا بِالتَّنَاصُفِ، فَإِنْ أَبَيَا فَلْيَنْظُرْ فِي دَعْوَى الطَّالِبِ، فَإِنْ رَأَى لَهَا وَجْهًا وَلَمْ يَتَّهِمْهُ بِإِرَادَةِ تَعْنِيَتِهِ فَيَلْزَمُ الْمَطْلُوبُ الشُّخُوصَ مَعَ الطَّالِبِ، وَإِلَّا لَمْ يُكَلِّفْهُ الشُّخُوصَ مَعَهُ ذَلِكَ حُكِيَ عَنْ أَصْبَغُ قَالَ: وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَوْضُوعُ الَّذِي يَشْخَصُ إلَيْهِ لَا مُؤْنَةَ فِيهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَلَا عَلَى الطَّالِبِ وَلَا عَلَى الْبَيِّنَةِ، فَأَمَّا الْمَكَانُ الْبَعِيدُ مِنْ مَوْضِعِ الْقَاضِي فَلَا يَكْتُبُ بِرَفْعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلْيَكْتُبْ إلَى مَنْ يَثِقُ بِهِ فِي فَهْمِهِ وَدِينِهِ أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا يَدَّعِي الطَّالِبُ وَيَسْمَعُ مِنْ بَيِّنَتِهِ وَيَنْظُرُ فِي مَنَافِعِهِمَا وَجَمِيعِ أُمُورِهِمَا ثُمَّ يَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي وَيُخْبِرُهُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَوْ رَآهُ فِي قَضِيَّتِهِمَا لِيَنْظُرَ فِيهِ فَإِذَا نَظَرَ الْقَاضِي فِيمَا جَاءَهُ مِنْ الَّذِي كُتِبَ إلَيْهِ وَرَأَى أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهِ بِإِنْفَاذِ الْحُكْمِ فَعَلَ وَإِنْ رَأَى أَمْرًا يُوجِبُ رَفْعَ الْخَصْمَيْنِ فَعَلَ، فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَطْلُوبُ مِنْ الشُّخُوصِ مَعَ الطَّالِبِ كَتَبَ أُمَنَاءُ الْقَاضِي إلَيْهِ بِذَلِكَ، فَإِذَا بَلَغَهُ ذَلِكَ كَتَبَ الْقَاضِي إلَى أُمَنَائِهِ يَأْمُرُهُمْ بِسَدِّ بَابِهِ وَتُعْقَلُ عَلَيْهِ ضِيَاعُهُ وَيُمْنَعُ مِنْ مَنَافِعِهِ حَتَّى يَحْضُرَ مَعَ غَرِيمِهِ قَالَ: وَلَا تَشْخَصُ الْبَيِّنَاتُ وَالْخُصُومُ مَعَ الْبُعْدِ كَسِتِّينَ مِيلًا وَنَحْوِهَا.

وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ قَامَ بِشَكِيَّةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ ادَّعَى بَاطِلًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَدَّبَ وَأَقَلُّ ذَلِكَ بِالْحَبْسِ، لِيَنْدَفِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْبَاطِلِ وَاللَّدَدِ عَنْ ذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ فِي الْأَحْبَاسِ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا لَمَزَهُ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ بِمَا يَكْرَهُ فَقَالَ لَهُ ظَلَمْتنِي وَأَرَادَ آذَاهُ فَلْيُعَزِّرْهُ إذَا كَانَ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ، وَالْعُقُوبَةُ فِي مِثْلِ هَذَا أَمْثَلُ مِنْ الْعَفْوِ، وَهَذَا فِي اللَّمْزِ، وَأَمَّا إذَا صَرَّحَ بِالْإِسَاءَةِ عَلَى الْقَاضِي فَظَاهِرُ كَلَامِ مَالِكٍ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ يَجِبُ فِيهَا تَأْدِيبُ الْقَائِلِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَزَّزَ لِنَفْسِهِ لِئَلَّا يُسْتَهَانُ بِهِ وَلِيُخِفْ النَّاسَ بِلُزُومِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ.

وَمِنْهَا إذَا تَوَجَّهَ الْحَقُّ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فَتَغَيَّبَ خَصْمُهُ فَطَلَبَ مِنْ الْحَاكِمِ رَسُولًا يُعِينُهُ عَلَى طَلَبِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ إجَابَتُهُ إلَى ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>