فَرْعٌ: وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: فِي الرَّجُلِ يَثْبُتُ حَقُّهُ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ قَاضٍ وَيَكْتُبُ فِيهِ إلَى الْقَاضِي الَّذِي ذَلِكَ فِي بَلَدِهِ، فَيَلْقَاهُ فِي غَيْرِ بَلَدِ ذَلِكَ الْقَاضِي، فَيَرْفَعُ ذَلِكَ الْكِتَابَ إلَى قَاضِي ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي وَجَدَ خَصْمَهُ فِيهِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُنْظَرُ لَهُ فِيهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ لَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ، وَلَوْ أَثْبَتَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي حَكَمَ عَلَيْهِ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَنْفَذَهُ هَذَا الْقَاضِي، وَإِذَا كَانَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي أَنَّهُ ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ قَبِلَ شَهَادَتَهُمْ وَأَجَازَهَا، وَلَمْ يُصَرِّحْ عَنْهُمْ كَانَ نَفَاذًا جَائِزًا، وَلَزِمَ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ بِمَا كُتِبَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي بِشَاهِدَيْنِ يَعْرِفَانِهِ، أَنَّ الْقَاضِيَ أَشْهَدَهُمَا عَلَى كِتَابِهِ وَخَاتَمِهِ وَأَسْلَمَهُ إلَيْهِمَا، وَيُعَيِّنَا لَهُ الْقِيَامَ عِنْدَهُ مِنْ التَّمَامِ أَنْ يَقْبِضَاهُ هُمَا مِنْ الْقَاضِي الْكَاتِبِ، وَلَا يَكُونُ عِنْدَ الْمَحْكُومِ لَهُ، فَإِنْ سَأَلَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ مِنْ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ الْإِعْذَارَ إلَيْهِ فِي الشُّهُودِ الَّذِينَ ثَبَتَ بِهِمْ الْأَصْلُ لَمْ يُجِبْهُ لِذَلِكَ وَيُعَذَّرُ إلَيْهِ فِي الشُّهُودِ الَّذِينَ ثَبَتَ بِهِمْ الْكِتَابُ فَقَطْ، وَيَقُولُ لَهُ: اذْهَبْ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ يُعَرِّفُك بِهِمْ، وَيُبِيحُ لَك الدَّفْعَ فِيهِمْ مِنْ الْمُتَيْطِيَّةِ.
فَرْعٌ: وَإِذَا وَرَدَ كِتَابُ قَاضٍ إلَى قَاضٍ، وَعَلِمَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ فِي عِلْمِهِ وَفَهْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِأَحْكَامِ مَنْ مَضَى قَبِلَ كِتَابَهُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ قَبُولُ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ الْحَاكِمِ فِي الْمَالِ وَالْقِصَاصِ وَالْعُقُوبَاتِ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْقَضَاءِ لَمْ يَقْبَلْهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُ بِعَدَالَةٍ وَلَا سَخَطِهِ وَجَهْلِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ قُضَاةِ الْأَمْصَارِ الْجَامِعَةِ مِثْلَ: الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْقَيْرَوَانِ وَالْأَنْدَلُسِ، أَنْفَذَ مَا جَاءَهُ مِنْ عِنْدَهُ، لِأَنَّ مَحْمَلَ هَؤُلَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْعَدَالَةِ حَتَّى يُعْرَفَ خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِنْ قُضَاةِ الْكُوَرِ الصِّغَارِ، فَلَا يُنَفِّذُ مَا جَاءَهُ عَنْهُمْ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُمْ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ عِنْدَهُ مِمَّنْ يَعْرِفُهُمْ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنَّ قَاضِيَ تُونُسَ لَا يَجُوزُ كِتَابُهُ إلَى قَاضِي مِصْرَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكْتُبَ قَاضِي تُونُسَ إلَى قَاضِي الْقَيْرَوَانِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، ثُمَّ يَكْتُبُ قَاضِي الْقَيْرَوَانِ إلَى قَاضِي مِصْرَ.
تَنْبِيهٌ عَلَى أَمْرٍ خَفِيٍّ: وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي عَلَى مَعْنَى الْمُخَاطَبَةِ وَكِتَابِهِ إلَيْهِ عَلَى مَعْنَى الشَّهَادَةِ.
وَفِي الْبَيَانِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي رَسْمِ وَمِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ الْمَحْضِ، إذَا تَخَاصَمَ رَجُلَانِ عِنْدَ الْقَاضِي فَكَانَ مِنْ حُجَّةِ أَحَدِهِمَا أَنْ قَالَ: قَدْ حَكَمَ لِي قَاضِي بَلَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute