الَّذِي يَخْتَارُهُ مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَلَا يَعْمَلُ ذَلِكَ بِرَأْيِ الْكَاتِبِ إلَيْهِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي رَسْمِ مَا يُفْسَخُ مِنْ أَقْضِيَةِ الْقُضَاةِ.
وَفِي التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ عَنْ سَحْنُونٍ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ وَلَا يُنَفِّذَهُ، قَالَ: يُرِيدُ إذَا كَانَ غَيْرَ صَوَابٍ عِنْدَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ أَحَدًا عَلَى مَا هُوَ عِنْدَهُ خَطَأٌ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهِ قَاضٍ حَنَفِيٌّ بِأَنْ يُمَكِّنَ رَجُلًا مِنْ امْرَأَةٍ زُوِّجَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَشَبَهَ ذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ: إنْ كَتَبَ إلَيْهِ أَنَّهُ أَنْفَذَ الْحُكْمَ بِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يُنَفِّذَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نَقْضُ قَضَاءِ غَيْرِهِ إذَا وَافَقَ قَوْلًا لِلْعُلَمَاءِ وَلِأَنَّ الْمَحْكُومَ لَهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ مَا حُكِمَ لَهُ بِهِ، وَلَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بِقَاضٍ، وَفِي تَوَقُّفِ الْمَكْتُوبِ عَنْ تَنْفِيذِ مَا كُتِبَ بِهِ إلَيْهِ إبْطَالُ حَقٍّ حُكِمَ لَهُ بِهِ مَنْ لَهُ نَظَرٌ وَسُلْطَانٌ، قَالَ: وَإِنْ كَانَ إنَّمَا كَتَبَ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ لَا يَعْمَلُ بِرَأْيِ الَّذِي كَتَبَ.
تَنْبِيهٌ: وَتَفْهِيمُ الْخِلَافِ عَنْ هَذَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الثُّبُوتَ لَيْسَ بِحُكْمٍ كَمَا نَقَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ: أَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.
فَرْعٌ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ: قَالَ أَصْبَغُ فِي الْقَاضِي يَثْبُتُ عِنْدَهُ لِرَجُلٍ حَقٌّ لَهُ عَلَى غَرِيمٍ غَائِبٍ وَصَفَهُ عَبْدٌ لَهُ وَلَا يَدْرِي بِأَيِّ الْآفَاقِ هُمَا، كَتَبَ لَهُ الْوَالِي إلَى أَيِّ قَاضٍ يَلْقَاهُ مِنْ عَمَلِهِ أَنْ يَسْأَلَهُ ذَلِكَ، وَأَرَى وَاجِبًا عَلَى مَنْ دُفِعَ إلَيْهِ الْكِتَابُ مِنْ الْقُضَاةِ أَنْ يَنْظُرَ لَهُ فِيهِ إذَا أَثْبَتَهُ عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ، عَلَى أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي الَّذِي كَتَبَ إلَيْهِ وَصُورَةُ كِتَابِهِ، أَنْ يَكْتُبَ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إلَى مَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ.
تَنْبِيهٌ: ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَكْتُبُ إلَى أَيِّ قَاضٍ لَقِيَهُ مِنْ عَمَلِهِ. وَفِي الْبَيَانِ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ إلَى قُضَاةِ الْآفَاقِ كَانَ بِأَيِّ بَلَدٍ كَانَ، وَأَنَّهُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْكِتَابُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ إلَى قَاضِي مَوْضِعٍ يُوجَدُ قَدْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ، وَوَلِيَ غَيْرُهُ إنْفَاذَ ذَلِكَ الْكِتَابِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَهِيَ فِي الْبَيَانِ فِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ أَبْسَطُ مِنْ هَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute