للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ لَهُ فِيمَنْ تَكَرَّرَتْ الْجَرَائِمُ وَلَمْ يَنْزَجِرْ بِالْحُدُودِ اسْتِدَامَةَ حَبْسِهِ، فَذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سَهْلٍ فِي الْأَحْكَامِ مَا نَصُّهُ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِقُرْطُبَةَ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ فُلَانًا مِمَّنْ يَعْصِرُ الْخَمْرَ وَيَبِيعُهَا وَيُشْرِبُهَا وَيَدَّخِرُهَا، وَيَجْتَمِعُ إلَيْهِ أَهْلُ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ، وَسَأَلَ الْقَاضِي عَنْ ذَلِكَ أَهْلَ الشُّورَى فَأَجَابُوا. أَمَّا شُرْبُ الْخَمْرِ فَفِيهِ الْحَدُّ ثَمَانُونَ سَوْطًا، وَأَمَّا بَيْعُهَا فَإِنَّ الْأَدَبَ عَلَى قَدْرِ مَا يَرْدَعُهُ عَنْ ذَلِكَ وَيَنْهَاهُ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ فَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْحَبْسُ حَتَّى ظَهَرَ مِنْهُ تَوْبَةٌ بَعْدَ الْإِعْذَارِ إلَيْهِ فِيمَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ.

وَذَكَرَ فِي مَسْأَلَةٍ قَبْلَهَا فِيمَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْأَذَى لِلنَّاسِ وَالشَّرِّ وَالرَّدَى وَالْفَسَادِ وَالتَّعَدِّي عَلَى النَّاسِ، أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْأَدَبُ الْمُوجِعُ، وَالْحَبْسُ الطَّوِيلُ، فَإِنَّ الْإِغْلَاظَ عَلَى أَهْلِ الشَّرِّ وَالْقَمْعَ لَهُمْ وَالْأَخْذَ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِمَّا يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ.

وَيُقَالُ مَنْ لَمْ يَمْنَعْ النَّاسَ مِنْ الْبَاطِلِ لَمْ يَحْمِلْهُمْ عَلَى الْحَقِّ، وَذَكَرَ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى مَا نَصُّهُ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي شُهُودٌ أَنَّهُمْ قَالُوا لِفُلَانٍ: قَدْ سَاءَنَا مَا سَمِعْنَا عَنْ وَلَدَيْك مِنْ مَسِيرِهِمَا لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ وَالشَّرِّ إلَى دَارٍ يَسْكُنُهَا فُلَانٌ، فَكَسَرُوا الْبَابَ وَهَجَمُوا عَلَى الْعِيَالِ، وَضَرَبُوا صَاحِبَ الدَّارِ حَتَّى أَشْفَقَ مِنْ الْمَوْتِ وَنَهَبُوا مَا فِي الدَّارِ، وَشَهَّدُوا شُهُودًا عَلَى الْفَعْلَةِ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ وَالشَّرِّ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْعِيَاثَةِ، وَشَاوَرَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ فَأَجَابَهُ الْفُقَهَاءُ: بِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ تُوجِبُ الْأَدَبَ الْبَلِيغَ وَالْحَبْسَ الطَّوِيلَ عَلَى الْفَعَلَةِ، وَقَدْ ذَكَرْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُطَوَّلَةً فِي فَصْلِ عُقُوبَةِ الْمُحَارِبِينَ وَذَكَرْت لَهَا نَظَائِرَ.

وَأَمَّا كَوْنُهُ لَهُ إحْلَافُ الْمَتْهُومِ لِاخْتِبَارِ حَالِهِ وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَإِنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ الْمُتَّهَمَ وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ.

وَأَمَّا كَوْنُ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّمَا ذَكَرُوهَا فِي الْوَالِي، يَأْخُذُ الرَّجُلَ شَارِبًا فَيَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ مُكْرَهًا عَلَى أَنْ لَا يُشْرِبَ الْخَمْرَ، أَوْ لَا يَفْسُقَ أَوْ أَنْ لَا يَغُشَّ فِي عَمَلِهِ أَوْ لَا يَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>