للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَبْطِنَ أَهْلَ الدِّينِ وَالْأَمَانَةِ وَالْعَدَالَةِ لِيَسْتَعِينَ بِهِمْ عَلَى مَا هُوَ بِسَبِيلِهِ، وَيَقْوَى عَلَى التَّوَصُّلِ إلَى مَا يَنُوبُهُ، وَقَدْ أَجَازُوا التَّجْرِيحَ بِوَاحِدٍ عَدْلٍ إذَا كَانُوا بِمَسْأَلَةِ الْقَاضِي، وَأَجَازُوا التَّجْرِيحَ فِي السِّرِّ، وَيَقْبَلُ الْقَاضِي ذَلِكَ مِنْ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ، وَهَذَا نَحْوُ مَا ذَكَرَهُ فِي أَعْوَانِ الْأَمَارَاتِ.

وَأَمَّا كَوْنُهُ يُرَاعِي شَاهِدَ الْحَالِ، فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي مُرَاعَاةُ شَوَاهِدِ الْأَحْوَالِ، وَقَدْ ذَكَرْته فِي بَابِ الْحُكْمِ بِالْقَرَائِنِ وَالدَّلَائِلِ، وَأَمَّا تَعْجِيلُ حَبْسِ الْمَتْهُومِ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَالْكَشْفِ وَمُدَّتُهُ شَهْرٌ، فَذَلِكَ أَيْضًا لِلْقَاضِي، قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ: مَنْ أَتَى الْقَاضِيَ مُتَعَلِّقًا بِرَجُلٍ يَرْمِيهِ بِدَمِ وَلِيِّهِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا جَاءَهُ مِثْلُ هَذَا، فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ وَلِيُّ الدَّمِ، فَإِنْ أَثْبَتَ لَهُ تَعَدُّدَهُ مِنْ الْمُدَّعِي دَمَهُ كَشَفَ هَلْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى دَعْوَاهُ؟ فَإِنْ ادَّعَى ثُبُوتَ ذَلِكَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ الْغَدِ، أَمَرَ الْقَاضِي بِحَبْسِ الْمُدَّعِي. وَإِنْ أَثْبَتَ التَّعَدُّدَ وَلَمْ تَحْضُرْهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الدَّمِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ، إنْ كَانَ الْمُدَّعِي مُتَّهَمًا أَطَالَ فِي حَبْسِهِ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا إلَى الثَّلَاثِينَ، إنْ كَانَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فَالْيَوْمَيْنِ أَوْ نَحْوَهُمَا، فَإِنْ أَتَى طَالِبُ الدَّمِ فِي دَاخِلِ الْمُدَّةِ بِسَبَبٍ قَوِيٍّ سَقَطَ هَذَا الْحُكْمُ وَوَجَبَتْ الزِّيَادَةُ فِي حَبْسِهِ عَلَى مَا يَرَاهُ.

وَأَمَّا كَوْنُهُ يَجُوزُ لَهُ مَعَ قُوَّةِ التُّهْمَةِ ضَرْبُ الْمَتْهُومِ ضَرْبَ تَقْرِيرٍ، فَذَلِكَ عِنْدَنَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَعَاطِيهِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ قَرِيبًا فِي الدَّعَاوَى عَلَى أَهْلِ التُّهَمِ وَالْعُدْوَانِ، وَلَكِنْ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ صِفَةِ ضَرْبِ الْحُدُودِ، وَلَا يُعَاقِبُهُمْ بِغَيْرِ الْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ.

فَفِي الْبَيَانِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ عَذَابِ اللُّصُوصِ بِالدُّهْنِ وَبِهَذِهِ الْخَنَافِسِ الَّتِي تُحْمَلُ عَلَى بُطُونِهِمْ، فَقَالَ: لَا يَحِلُّ هَذَا، إنَّمَا هُوَ السَّوْطُ أَوْ السِّجْنُ قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت إنْ لَمْ تَجِدْ فِي ظَهْرِهِ مُضْرَبًا أَتَرَى أَنْ يُسَطَّحَ فَيُضْرَبَ فِي بَيْتِهِ؟ فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ مَا أَرَى ذَلِكَ، إنَّمَا عَلَيْك مَا عَلَيْك، وَإِنَّمَا هُوَ الضَّرْبُ فِي الظَّهْرِ بِالسَّوْطِ وَالسِّجْنُ، قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت إنْ مَاتَ بِالسَّوْطِ؟ قَالَ: إنَّمَا عَلَيْك مَا عَلَيْك.

مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ هَذَا الْفَصْلِ مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ، إذَا شَهِدَ رَجُلٌ عَلَى آخَرَ فَقَالَ: رَأَيْته مَعَ فُلَانَةَ أَوْ بَيْنَ فَخِذَيْهَا وَكَانَ الشَّاهِدُ عَدْلًا لَمْ يُعَاقَبْ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ عُوقِبَ، وَلَكِنْ لَا يُعَاقَبُ عُقُوبَةَ تَقْرِيرٍ، بَلْ مِنْ بَابِ الْأَدَبِ وَالزَّجْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>