للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمُطْلَقِ الْمَصْلَحَةِ، لَا لِتَقَدُّمِ شَاهِدٍ بِالِاعْتِبَارِ نَحْوَ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ أَمْرٌ وَلَا تَسْتَطِيرُ وِلَايَةِ الْعَهْدِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِمَا أَمْرٌ وَلَا تَسْطِيرٌ، وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْخِلَافَةِ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ، وَتَدْوِينُ الدَّوَاوِينِ وَعَمَلُ السِّكَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَاِتِّخَاذُ السِّجْنِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَدْمُ الْأَوْقَافِ الَّتِي بِإِزَاءِ الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّوْسِعَةُ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ ضِيقِهِ، وَحَرْقُ الْمَصَاحِفِ وَجَمْعُهُمْ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ، وَتَجْدِيدُ أَذَانٍ فِي الْجُمُعَةِ بِالسُّوقِ مِمَّا فَعَلَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا فُعِلَ لِمُطْلَقِ الْمَصْلَحَةِ.

وَثَالِثُهَا: أَنَّ الشَّرْعَ شَدَّدَ فِي الشَّهَادَةِ أَكْثَرَ مِنْ الرِّوَايَةِ لِتَوَهُّمِ، الْعَدَاوَةِ، فَاشْتَرَطَ الْعَدَدَ وَالْحُرِّيَّةَ، وَوَسَّعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْعُقُودِ لِلضَّرُورَةِ، كَالْعَرَايَا وَالْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعُقُودِ الْمُسْتَثْنَاةِ، وَضَيَّقَ فِي الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا، فَلَمْ يَقْبَلْ فِيهَا إلَّا أَرْبَعَةً يَشْهَدُونَ بِالزِّنَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَقَبِلَ فِي الْقَتْلِ اثْنَيْنِ وَالدِّمَاءُ أَعْظَمُ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ السِّتْرُ، وَلَمْ يُحْوِجْ الزَّوْجَ الْمَلَاعِنَ إلَى بَيِّنَةٍ غَيْرِ أَيْمَانِهِ، وَلَمْ يُوَجِّهْ إلَيْهِ حَدَّ الْقَذْفِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْقَذَفَةِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ فِي الذَّبِّ عَنْ الْإِنْسَانِ، وَصَوْنِ الْعِيَالِ وَالْفُرُشِ عَنْ أَسْبَابِ الِارْتِيَابِ، وَهَذِهِ الْمُبَايِنَاتُ وَالِاخْتِلَافَاتُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرْعِ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ.

فَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى اخْتِلَافُ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ، فَتَكُونُ الْمُنَاسَبَةُ الْوَاقِعَةُ فِي هَذِهِ الْقَوَانِينِ السِّيَاسِيَّةِ مِمَّا شَهِدَتْ لَهَا الْقَوَاعِدُ بِالِاعْتِبَارِ، فَلَا تَكُونُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ بَلْ أَعْلَى رُتْبَةً فَتُلْحَقُ بِالْقَوَاعِدِ الْأَصْلِيَّةِ.

وَرَابِعُهَا: أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ فِي هَذِهِ الْقَوَانِينِ وَرَدَ دَلِيلٌ يَخُصُّهُ أَوْ أَصْلٌ يُقَاسُ عَلَيْهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَدِلَّةِ الْبَابِ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَنَصَّ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ نَجِدْ فِي جِهَةٍ غَيْرَ الْعُدُولِ أَقَمْنَا أَصْلَحَهُمْ وَأَقَلَّهُمْ فُجُورًا لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ، وَيَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ لِئَلَّا تَضِيعَ الْمَصَالِحُ، وَمَا أَظُنُّ أَنَّهُ يُخَالِفُهُ أَحَدٌ فِي هَذَا، فَإِنَّ التَّكْلِيفَ مَشْرُوطٌ بِالْإِمْكَانِ، وَإِذَا جَازَ نَصْبُ الشُّهُودِ فَسَقَةً لِأَجْلِ عُمُومِ الْفَسَادِ جَازَ التَّوَسُّعُ فِي الْأَحْكَامِ السِّيَاسِيَّةِ، لِأَجْلِ كَثْرَةِ فَسَادِ الزَّمَانِ وَأَهْلِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>