للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّحْكِيمِ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْحَكَمَ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا وَالْخِصَامُ بَيْنَ مَالِكِيَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِاجْتِهَادِهِ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ نَفَذَ حُكْمُهُ، وَإِنْ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ حُكْمُهُ بَيْنَهُمَا، فَانْظُرْ تَمَامَ ذَلِكَ هُنَاكَ، وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ.

مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مُجْتَهِدٌ وَوَلَّى الْإِمَامُ مُقَلِّدًا فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ يَلْزَمُهُ الْمَصِيرُ إلَى قَوْلِ مُقَلَّدٍ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِاجْتِهَادِهِ، فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ الْمُقَلَّدُ مِمَّنْ لَهُ فِقْهُ نَفْسٍ وَقُدْرَةٌ عَلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَ أَقَاوِيلِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ، وَيَعْلَمُ مِنْهَا مَا هُوَ أُجْرِيَ عَلَى أَصْلِ إمَامِهِ مِمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَيَلْزَمُهُ الْمَصِيرُ إلَى الْمَشْهُورِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الشُّيُوخِ اخْتِلَافٌ بَيْنَهُمْ هَلْ تَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ الْقَضَاءَ أَوْ لَا؟ وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِاجْتِهَادِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْمُقَلِّدِ أَلْبَتَّةَ، وَيَرَى هَذَا الْقَائِلُ أَنَّ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ مَقْدُورٌ عَلَى تَحْصِيلِهَا وَهِيَ شَرْطٌ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ.

فَصْلٌ: كَثِيرًا مَا يُوجَدُ فِي كُتُبِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْمُوَثِّقِينَ فِي الْمَسْأَلَةِ ذَاتِ الْأَقْوَالِ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ، كَذَا وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْقَضَاءُ وَاسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ الْفُتْيَا كَذَا، فَهَلْ يَكُونُ هَذَا مُرَجِّحًا لِذَلِكَ الْقَوْلِ حَتَّى يَجُوزَ لِلْقَاضِي الْعُدُولُ عَنْ الْمَشْهُورِ إلَى هَذَا الْقَوْلِ أَوْ لَا؟ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَ الْأَقْوَالِ فَيَقْضِيَ بِهِ أَمْ لَا؟ وَوَقَعَ فِي الْفَتْوَى لِابْنِ عَبْدِ النُّورِ مِنْ كَلَامِ الْفَقِيهِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْن سَمَارَى فِي جَوَابِهِ عَنْ مَسَائِلَ مُخْتَلِفَةٍ سُئِلَ عَنْهَا فِي سُؤَالٍ وَاحِدٍ، فَأَجَابَ: وَرَدَ سُؤَالُك - وَفَّقَنَا اللَّهُ، وَإِيَّاكَ - مُقْتَضِيًا جَوَابًا وَهُوَ إذَا وُجِدَ لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، وَلَا يُعْلَمُ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِ فَالْمُقَلِّدُ عَلَى مَا يَعْتَمِدُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ حَصَّلَ طَرَفًا مِنْ النَّظَرِ فِي طُرُقِ أَدِلَّةِ الِاجْتِهَادِ هَلْ لَهُ أَنْ يُرَجِّحَ أَحَدَ الْأَقْوَالِ أَوْ لَا؟ قَالَ السَّائِلُ أَيْضًا: وَمَذْهَبِي أَنْ لَا يَلْتَفِتَ إلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَهِيَ عِنْدِي مَسْأَلَةٌ صَعْبَةٌ، قَالَ: وَلَا أُسَلِّمُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي حَقِّ الَّذِي يُقَلِّدُ أَوْ يَجْتَهِدُ فِيهَا عَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ لَوْ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ، وَإِذَا كَانَ التَّرْجِيحُ بِنَوْعٍ مِنْ النَّظَرِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: أَصْلُ مَالِكٍ كَذَا، وَاَلَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِهِ كَذَا، وَالْوَاحِدُ مِنْهَا يُوَافِقُ أَصْلَ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ فَتْوَاهُ، وَهُوَ الَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، أَوْ يَقُولُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>