للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السِّلْعَةُ عَلَى أَرْبَابِهَا بِالثَّمَنِ، فَإِنْ أَخَذُوهَا بِهِ وَإِلَّا رَدُّوهَا عَلَى بَائِعِهَا، وَأَدَّبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهَالَةٍ. وَاخْتُلِفَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ التَّلَقِّي وَإِنَّمَا مَرُّوا عَلَى بَابِهِ، فَقِيلَ: بِالْمَنْعِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ فِي عَدَمِ الْقَصْدِ، مِنْ شَرْحِ الْجَلَّابِ.

مَسْأَلَةٌ: وَالنَّجَشُ فِي الْبَيْعِ مَمْنُوعٌ حَرَامٌ وَيَأْثَمُ فَاعِلُهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ أُدِّبَ وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ ثَمَنًا فِي سِلْعَةٍ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ فِي شِرَائِهَا، بَلْ لِيَقْتَدِيَ بِهِ وَيَغُرَّ غَيْرَهُ.

مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ غَشَّ فِي سِلْعَتِهِ أَهْلَ السُّوقِ، فَقَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، إذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي غَشَّ فِي السِّلْعَةِ، قِيلَ لَهُ: فَالزَّعْفَرَانُ وَالْمِسْكُ أَتَرَاهُ مِثْلُهُ؟ قَالَ: مَا أَشْبَهَهُ بِذَلِكَ إذَا كَانَ هُوَ الَّذِي غَشَّهُ فَأَرَاهُ مِثْلَ اللَّبَنِ الْمَغْشُوشِ، يَعْنِي يَتَصَدَّقُ بِهِ.

وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ هَذَا فَقَالَ: أَمَّا الشَّيْءُ الْخَفِيفُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا أَرَى بَأْسًا، وَأَمَّا إذَا كَثُرَ ثَمَنُهُ فَلَا أَرَى ذَلِكَ وَعَلَى صَاحِبِهِ الْعُقُوبَةُ، لِأَنَّهُ قَدْ تَذْهَبُ فِي ذَلِكَ أَمْوَالٌ عِظَامٌ، وَأَفْتَى ابْنُ الْقَطَّانِ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمَلَاحِمِ الرَّدِيئَةِ النَّسْجِ بِالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ، وَأَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ بِتَقْطِيعِهَا خِرَقًا وَإِعْطَائِهَا لِلْمَسَاكِينِ إذَا تَقَدَّمَ إلَى مُسْتَعْمَلِيهَا فَلَمْ يَنْتَهُوا عَنْ ذَلِكَ.

مَسْأَلَةٌ: وَقَدْ شَدَّدَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْكَرَاهَةَ فِي التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ لِجَرْيِ أَحْكَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ.

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا تَاجِرًا وَلَا غَيْرَهُ إلَّا الْمُفَادَاةُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَ الْإِمَامُ النَّاسَ مِنْ ذَلِكَ، وَيُشَدِّدَ فِي ذَلِكَ وَيَجْعَلَ الرَّصْدَ فِيهِ، وَقَدْ اتَّفَقُوا أَنَّهُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْكُفَّارِ فَإِنَّ ذَلِكَ جُرْحَةٌ فِيهِ، وَالْخِلَافُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ لِمَا فِيهِ مِنْ الذِّلَّةِ وَالصَّغَارِ، وَقَدْ أَوْجَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ الشَّدِيدَةَ، لِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَيْهِمْ لِلتِّجَارَةِ مِنْ الْكَبَائِرِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ سَحْنُونٌ.

مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُبَاعُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ آلَةُ الْحَرْبِ مِنْ دِرْعٍ أَوْ سِلَاحٍ أَوْ سُرُوجٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يَتَّقُونَ بِهِ فِي الْحَرْبِ، قَالَ الْحَسَنُ: مَنْ حَمَلَ إلَيْهِمْ طَعَامًا فَهُوَ فَاسِقٌ، وَمَنْ حَمَلَ إلَيْهِمْ سِلَاحًا فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ، أَيْ لَيْسَ بِكَامِلِ الْإِيمَانِ: وَقَالَ سَحْنُونٌ: وَمَنْ أَهْدَى إلَيْهِمْ سِلَاحًا فَهُوَ شَرِيكُهُمْ فِي جِهَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ سِلَاحًا فَكَأَنَّمَا أَخَذَ رِشْوَةً عَلَى دِمَاءِ الْمُسْلِمِ، قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>