للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَسَامَةِ، حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ الَّتِي أَقَرَّ الْمُدَّعِي أَنَّهُمْ حُبِسُوا فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ فَلَا مَعْنَى لِحَبْسِهِمْ، وَلَا يَحِلُّ حَبْسُ مَرْمِيٍّ بِدَمٍ هَذِهِ الْمُدَّةَ، إنَّمَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ إنْ كَانَ الْمَرْمِيُّ بِالدَّمِ مُتَّهَمًا حُبِسَ الشَّهْرَ وَنَحْوَهُ، فَإِنْ لَمْ يُؤْتَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ فِي دَاخِلِ الشَّهْرِ أُطْلِقَ، وَهَؤُلَاءِ قَدْ حُبِسُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ حَبْسُهُمْ لَهُ، وَفِي دُونِ ذَلِكَ مَا كَانَ فِيهِ اسْتِبْرَاءُ الدَّمِ، وَهَذَا الطَّالِبُ لَا يَعْرِفُ الْمَرْمِيَّ عَلَيْهِمْ بِأَعْيُنِهِمْ، وَأَبْرَأَ اثْنَيْنِ لَا يَعْرِفُهُمَا بِأَعْيَانِهِمَا فَأَيُّ شَيْءٍ أَضْعَفُ مِنْ هَذَا الطَّالِبِ؟ وَفِي إطْلَاقِ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِمْ شُبْهَةٌ وَلَا سَبَبٌ يُوجِبُ حَبْسًا ثَوَابٌ، فَإِنَّ السِّجْنَ مَقْرُونٌ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف: ٢٥] . فَوَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي إنْهَاءُ ذَلِكَ إلَى الْأَمِيرِ.

مَسْأَلَةٌ: رَجُلٌ أَصْبَحَ فِي دَارِهِ مَقْتُولًا عَلَى فِرَاشِهِ، وَمَشَى ابْنُهُ مُنْذِرًا لِجِيرَانِهِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ لَهِجًا بِأَنَّهُ طُرِقَ لَيْلًا وَقُتِلَ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْوَزِيرُ وَأَمَرَ صَاحِبَ الْمَدِينَةِ بِالنُّهُوضِ إلَى دَارِهِ، فَنَهَضَ إلَيْهَا، فَوَجَدَ الْقَتِيلَ مَذْبُوحًا فِيهِ نَيِّفٌ عَلَى سِتِّينَ ضَرْبَةً بِسِكِّينٍ، وَتَتَبَّعَ الدَّارَ فَلَمْ يَجِدْ فِيهَا أَثَرَ نُزُولٍ وَلَا خُرُوجٍ، وَلَقِيَ فِي الدَّارِ ثِيَابَهُ مُخَبَّأَةً فِي بَعْضِ أَرْكَانِ الدَّارِ، وَسِكِّينَ أَقْلَامِهِ وَغُرْفَةً فِيهَا دَمٌ، وَفِي سَرَاوِيلِ بَعْضِ بَنَاتِهِ بَعْضَ دَمٍ، فَاسْتَنْطَقَهُنَّ فَقَالَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ عَنْ أُخْرَى هَذِهِ قَتَلَتْهُ وَأَعَنَّاهَا نَحْنُ وَقَالَتْ: كَانَ حَقِيقًا بِالْقَتْلِ مُنْذُ أَعْوَامٍ وَكَانَ ابْنَاهُ سَاكِنَيْنِ مَعَهُ فِي الدَّارِ، أَحَدُهُمَا الْمُنْذِرُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ ضَعِيفُ الْأَعْضَاءِ ضَرَبَتْهُ رِيحٌ، فَقَالَ هَذَا الضَّعِيفُ طَرَقَهُ لُصُوصٌ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنْ قَالَ: إنَّمَا قَتَلَهُ النِّسَاءُ وَأَخُوهُ الَّذِي أَنْذَرَ بِالصَّلَاةِ كَانَ وَاقِفًا خَلْفَ بَابِ الْبَيْتِ وَثَبَتَ مَوْتُهُ وَوِرَاثَتُهُ، وَأَنَّ ابْنَيْ أَخِيهِ أَحَقُّ النَّاسِ بِالْقِيَامِ بِدَمِهِ مَعَ ابْنِهِ الضَّعِيفِ، وَيُشَاوِرُ صَاحِبَ الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ، فَأَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ: أَنَّهُ لَا قَتْلَ عَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الدَّارِ مِنْ نِسَائِهِ وَابْنَيْهِ، إلَّا أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْقَسَامَةَ أَنَّهُ مَا قَتَلَهُ وَلَا مَا لَا عَلَى قَتْلِهِ وَلَا شَارَكَ، فِيهِ ثُمَّ يُطَالُ سِجْنُهُمْ.

قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ: وَلَمَّا كَانَ قَوْلُ الْمَرْأَةِ عَنْ الْأُخْرَى هَذِهِ قَتَلَتْهُ وَأَعَنَّاهَا نَحْنُ قَوْلًا مُحْتَمَلًا، فَيَحْتَمِلُ أَنْ نَعْنِيَ أَنَّهَا أَعَانَتْ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ لَمْ يَكُنْ عَامِلًا فِي قَتْلِهَا وَلِأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ هَذَا إلَّا بَعْدَ ضَرْبِهِنَّ بِالسَّوْطِ وَغَيْرِهِ وَفَزَعِهِنَّ مِنْ ذَلِكَ، فَحَضَرَ الْوَزِيرُ مَسْجِدَ ابْنِ عَتَّابٍ وَأَمَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>