للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَذَكَّرْتُمُونِي الطَّعْنَ وَكُنْت نَاسِيًا؟ فَجَلَدَهُ مِائَةً أُخْرَى، ثُمَّ جَلَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِائَةً أُخْرَى وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا قَالَ، الْمَازِرِيُّ: وَضَرَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَبِيغًا أَكْثَرَ مِنْ الْحَدِّ، وَقَدْ أَخَذَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ حَدًّا فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» ، فَلَمْ يَزِدْ فِي الْعُقُوبَاتِ عَلَى الْعَشَرَةِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَيُحْكَى عَنْ أَشْهَبَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ قَدْ يُزَادُ عَلَى الْحَدِّ، قَالَ الْمَازِرِيُّ وَتَأَوَّلَ أَصْحَابُنَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُ كَانَ يَكْفِي الْجَانِي مِنْهُمْ هَذَا الْقَدْرُ وَتَأَوَّلُوهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي حَدٍّ أَيْ فِي حُقُوقِ اللَّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَعَاصِي الْمُقَدَّرِ حُدُودُهَا، لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُزَادُ الْحَدُّ، وَقَدْ أَمَرَ مَالِكٌ بِضَرْبِ رَجُلٍ وُجِدَ مَعَ صَبِيٍّ قَدْ جَرَّدَهُ وَضَمَّهُ إلَى صَدْرِهِ، فَضَرَبَهُ أَرْبَعَمِائَةٍ فَانْتَفَخَ وَمَاتَ وَلَمْ يَسْتَعْظِمْ مَالِكٌ ذَلِكَ.

وَرَوَى الْعَقَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ: لَا يُجَاوِزُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ.

وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ ثَمَانِينَ، وَرُوِيَ عَنْ أَصْبَغَ: أَنَّ أَقْصَى مَا يُنْتَهَى إلَيْهِ جُرْمُ الْفَسَادِ مِائَتَانِ.

وَقَالَ مُطَرِّفٌ: يُنْتَهَى بِهِ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ أَرْبَعِينَ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَيْضًا لَا يَبْلُغُ عِشْرِينَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَبْلُغُ فِيهِ ثَمَانِينَ مِنْ الْمُعَلِّمِ لِلْمَازِرِيِّ، وَزَادَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِّ الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ فَضَرَبَ فِيهَا ثَمَانِينَ، وَكَانَ الْحَدُّ فِيهَا عَلَى زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ مَحْصُورٍ، بَلْ كَانَ يَأْمُرُ بِضَرْبِ الشَّارِبِ فَكَانُوا يَضْرِبُونَهُ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَالثِّيَابِ وَالْأَيْدِي، حَتَّى يَأْمُرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْكَفِّ عَنْهُ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحُدَّ فِيهَا شَيْئًا، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِاسْتِشَارَةِ الصَّحَابَةِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِأَنْ يَجْعَلَهُ ثَمَانِينَ، قَالَ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ فَهِمَتْ الصَّحَابَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدًّا مَحْدُودًا فِي الْخَمْرِ، لَمَا أَعْمَلْت فِيهِ رَأْيَهَا وَلَا خَالَفْته مَا فَعَلْت فِي سَائِرِ الْحُدُودِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>