فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَمْرٌ ثَابِتٌ تَجَاوَزُوا بِهِ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَدَ فِيهِ أَرْبَعِينَ فَلَمْ يَقِفُوا عِنْدَ ذَلِكَ أَيْضًا طَلَبًا لِانْزِجَارِ النَّاسِ عَنْ شُرْبِهَا، فَالتَّعْزِيرَاتُ وَالْعُقُوبَاتُ الْمَقْصُودُ بِهَا الزَّجْرُ يَرَى الْإِمَامُ فِيهَا رَأْيَهُ تَنْبِيهٌ وَالتَّعْزِيرُ إنَّمَا يَجُوزُ مِنْهُ مَا أُمِنَتْ عَاقِبَتُهُ غَالِبًا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ.
مَسْأَلَةٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَصَرَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يُظَنُّ انْزِجَارُ الْجَانِي بِهِ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَفِي الْحَدِيثِ، «وَأَنَّ الْإِمَامَ لَيُخْطِئُ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ جَاءَ فِي الْحُدُودِ فَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِغَيْرِهِمَا مِنْ الزَّوَاجِرِ مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَإِذَا كَانَتْ الْعُقُوبَةُ التَّعْزِيرَ وَالزَّجْرَ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الزَّجْرَ لَا يَنْفَعُ فَلَا يَفْعَلُ التَّعْزِيرَ، لَكِنْ يُسْجَنُ الْكَبِيرُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ تَوْبَتُهُ وَلَا يَعْرِضُ لِلصَّغِيرِ، قَالَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.
مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ عَزَّرَ الْحَاكِمُ أَحَدًا فَمَاتَ أَوْ سَرَى ذَلِكَ إلَى النَّفْسِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ.
وَفِي عُيُونِ الْمَجَالِسِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ: إذَا عَزَّرَ الْإِمَامُ إنْسَانًا فَمَاتَ فِي التَّعْزِيرِ، لَمْ يَضْمَنْ الْإِمَامُ شَيْئًا لَا دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَدِّ، فَلَوْ مَاتَ الْمَحْدُودُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ.
تَنْبِيهٌ اُنْظُرْ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ مِنْ حَدِّ الْخَمْرِ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ النَّخَعِيِّ قَالَ: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: مَا كُنْت لِأُقِيمَ عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فَيَمُوتُ، فَأَجِدُ فِي نَفْسِي إلَّا صَاحِبَ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ وَدَيْته، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسُنَّهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ يَسُنَّ فِيهِ انْتَهَى.
وَلَمْ يَسْتَقِرَّ الْحَدُّ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ إلَّا مِنْ زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، وَأَمَّا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ جَلَدَ فِيهَا ثَمَانِينَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ وَجَلَدَ فِيهَا أَرْبَعِينَ، وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي صَدْرِ وِلَايَتِهِ يَجْلِدُ فِيهَا أَرْبَعِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute