للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ يَئُولُ بِهِ إلَى الْكُفْرِ، يَعْنِي أَنَّهُ يُخَافُ عَلَى الْمُكْثِرِ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَاقِبَةُ شُؤْمِهَا الْكُفْرَ وَالْمَصِيرَ إلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالْمَعْنَى فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ وَالْجَمَاعَةِ النَّهْيُ عَنْ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.

وَقَدْ وَرَدَ مِثْلُ هَذَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فِسْقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ» ، وَقَوْلُهُ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» .

فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ وَالْعِلْمِ وَالْأُصُولِ، يَدْفَعُهَا أَقْوَى مِنْهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِمَا وَالْآثَارِ الثَّابِتَةِ أَيْضًا، وَقَدْ ضَلَّتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنْ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآثَارِ وَمِثْلُهَا فِي تَكْفِيرِ الْمُذْنِبِينَ، وَاحْتَجُّوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِآيَاتٍ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤] وقَوْله تَعَالَى {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: ٢] وَنَحْوِ هَذَا، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا قَبْلَ الْمَوْتِ لِمَنْ لَمْ يَتُبْ، لِأَنَّ الشِّرْكَ مَنْ تَابَ مِنْهُ وَانْتَهَى عَنْهُ غُفِرَ لَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] .

وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُذْنِبَ وَإِنْ مَاتَ مُصِرًّا تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَهَذَا كُلُّهُ يَشْهَدُ أَنَّ مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ يَعْنِي تَمَامَ الْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُ: فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، أَيْ فَقَدْ احْتَمَلَ الذَّنْبَ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَقُولَ لَهُ يَا كَافِرُ إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ احْتَمَلَ ذَنْبَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَائِلِ لَهُ ذَلِكَ، لِصِدْقِهِ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَقَدْ بَاءَ الْقَائِلُ بِذَنْبٍ كَبِيرٍ وَإِثْمٍ عَظِيمٍ احْتَمَلَهُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ.

فَرْعٌ: وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ مِنْ سَرَاةٍ كُذَيْبٍ وَأَثِمْت عُزِّرَ بِالسَّوْطِ وَهَذَا إذَا قَالَهُ لَهُ فِي مُشَاتَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ كَذَّابٌ، وَأَمَّا إنْ نَازَعَهُ فِي شَيْءٍ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ فِي هَذَا كَاذِبٌ آثِمٌ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي هَذَا أَدَبٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>