مَسْأَلَةٌ: وَلَمَّا كَانَ حُضُورُ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ مِنْ جِنْسِ الْحَبْسِ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْوِيقِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَصَالِحِ الْمَطْلُوبِ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَطْلُبُ الْغَرِيمَ لِلْمُدَّعِي بِخَوَاتِمَ أَوْ رَسُولٍ إلَيْهِ كَانَ فِي مَوْضِعِهِ، أَوْ فِيمَا قَرُبَ مِنْهُ فَيَحْصُلُ لِلْغَرِيمِ تَعْوِيقٌ عَنْ مَصَالِحِهِ، ثُمَّ إذَا حَضَرَ مَجْلِسَ الْحَاكِمِ فَقَدْ يَكُونُ الْحَاكِمُ غَيْرَ جَالِسٍ لِلْخُصُومِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَرُبَّمَا كَانَ مَشْغُولًا عَنْهُ بِغَيْرِهِ، فَلَا يَزَالُ مُعَوَّقًا حَتَّى يَتَفَرَّغَ الْقَاضِي لِلْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَرِيمِهِ، فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ، هَلْ يَحْضُرُ الْخَصْمُ الْمَطْلُوبُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى أَوْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَهُ مِنْ وَجْهِ الدَّعْوَى وَيَذْكُرُ لِلْحَاكِمِ السَّبَبَ، فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَحْضُرُهُ، حَتَّى يُبَيِّنَ الْمُدَّعِي أَصْلًا، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ: أَنْ يَحْضُرَ الْمَطْلُوبُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الدَّعْوَى قَدْ لَا تَتَوَجَّهُ فَيَبْعَثُ إلَيْهِ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى، وَيُحْضِرُهُ لِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ، وَيَفُوتُ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ مَصَالِحِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ حُضُورُ بَعْضِ النَّاسِ وَالدَّعْوَى بِمَجْلِسِ الْحُكَّامِ يُزْرِي بِهِ، فَيَقْصِدُ مَنْ لَهُ غَرَضٌ فَاسِدٌ أَذَى مَنْ يُرِيدُ ذَلِكَ.
فَرْعٌ: وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَاكِمَ يَطْلُبُ الْغَرِيمَ فَيَنْبَغِي ذِكْرُ الْمَسَافَةِ الَّتِي يَطْلُبُهُ مِنْهَا، وَالْجَارِي فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَطْلُبُهُ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى، فَإِنْ زَادَ لَمْ يَطْلُبْهُ حَتَّى يَثْبُتَ حَقُّهُ عِنْدَهُ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُجَرَّدُ عَوْدِ خَصْمِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ حُضُورُهُ إلَّا فِيمَا قَرُبَ كَطَرَفِ الْبَلَدِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَرُبَّمَا قِيلَ: ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَنَحْوُهَا، وَالتَّحْدِيدُ فِي ذَلِكَ الْأَمْيَالِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.
وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَالْقَرِيبُ ثَلَاثَةٌ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مِثْلُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَرْجِعَ فَيَبِيتَ فِي مَنْزِلِهِ وَالطَّرِيقُ مَأْمُونَةٌ، وَالْبَعِيدُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ زَادَ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى يَثْبُتُ حَقُّهُ، كَتَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي: إمَّا أَنْ يَحْضُرَ مَعَ خَصْمِهِ أَوْ يُرْضِيَهُ أَوْ يَكْتُبَ إلَى مَنْ يَثِقُ بِهِ يَنْظُرُ فِي أَمْرِهِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute