للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ حَبْسٌ مُعَدٌّ لِحَبْسِ الْخُصُومِ، فَلَمَّا انْتَشَرَتْ الرَّعِيَّةُ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ابْتَاعَ بِمَكَّةَ دَارًا وَجَعَلَهَا سِجْنًا يَحْبِسُ فِيهَا، وَجَاءَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارًا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَجَعَلَهَا حَبْسًا، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْحَبْسِ.

مَسْأَلَةٌ نَقَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الطَّلَّاعِ الْأَنْدَلُسِيِّ الْمَالِكِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِأَحْكَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ هَلْ سَجَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ أَحَدًا أَمْ لَا؟ فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا سِجْنٌ وَلَا سَجَنَا أَحَدًا، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَنَ فِي الْمَدِينَةِ فِي تُهْمَةِ دَمٍ» ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالنَّسَائِيُّ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا.

وَفِي غَيْرِ الْمُصَنَّفِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ خَلَّى بَيْنَهُ» ، وَوَقَعَ فِي أَحْكَامِ ابْنِ زِيَادٍ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَنَ رَجُلًا أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِتْمَامُ عِتْقِهِ، قَالَ فِي الْحَدِيثِ حَتَّى بَاعَ غَنِيمَةً لَهُ» .

وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي كِتَابِهِ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ حَكَمَ بِالضَّرْبِ وَالسَّجْنِ» فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَنَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي سِجْنٍ مُتَّخَذٍ لِذَلِكَ.

وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ لَهُ سِجْنٌ، وَأَنَّهُ سَجَنَ الْحُطَيْئَةَ عَلَى الْهَجْوِ، وَسَجَنَ صَبِيغًا عَلَى سُؤَالِهِ عَنْ الذَّارِيَاتِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَالنَّازِعَاتِ وَشِبْهِهِنَّ، وَأَمْرِهِ لِلنَّاسِ بِالتَّفَقُّهِ فِي ذَلِكَ، وَضَرَبَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَنَفَاهُ إلَى الْعِرَاقِ وَقِيلَ إلَى الْبَصْرَةِ، وَكَتَبَ أَنْ لَا يُجَالِسَهُ أَحَدٌ قَالَ الْمُحَدِّثُ فَلَوْ جَاءَنَا وَنَحْنُ مِائَةٌ لَتَفَرَّقْنَا عَنْهُ، ثُمَّ كَتَبَ أَبُو مُوسَى إلَى عُمَرَ أَنَّهُ قَدْ حَسُنَتْ تَوْبَتُهُ، فَأَمَرَهُ عُمَرُ فَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَسَجَنَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَابِئَ بْنَ حَارِثٍ، وَكَانَ مِنْ لُصُوصِ بَنِي تَمِيمٍ وَقُتَّالِهِمْ حَتَّى مَاتَ فِي الْحَبْسِ وَسَجَنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْكُوفَةِ، وَسَجَنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، وَسَجَنَ أَيْضًا فِي سِجْنِ عَارِمٍ مُحَمَّدَ ابْنَ الْحَنِيفَةِ إذْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعَتِهِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>