وَإِنْ أَمْسَكَ الْمُحْدِثُ عَلَيْهِ ذَلِكَ عَنْ الْقِيَامِ فِيهِ، ثُمَّ أَرَادَ الْقِيَامَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ مَا يَكُونُ فِيهِ الْحِيَازَةُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُحَازُ بِطُولِ الزَّمَانِ وَيُقْطَعُ عَلَى الْمُسْتَضِرِّ بِهِ مَتَى قَامَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الدَّبَّاغُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَبْقَى عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْكَنِيفِ، وَإِنْ لَمْ يُزَدْ فِي حُفْرَتِهِ فِي السِّعَةِ وَالطُّولِ، فَقَدْ يُوهِنُ مَا يَلِي الْحُفْرَةَ بِكَثْرَةِ مَا اسْتَنْقَعَ فِيهَا مِنْ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ عَامًا بَعْدَ عَامٍ، فَيَحْدُثُ عِنْدَ جَارِهِ مِنْ الْوَهَنِ، فِي جِدَارِهِ مَا لَمْ يَكُنْ حَدَثَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَفْتَحُهُ الرَّجُلُ فِيمَا يَلِي دَارَ جَارِهِ كَمُسْتَنْقَعِ الْمِيَاهِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّمَا طَالَ ضَرَّ بِطُولِهِ مَنْ يُجَاوِرُهُ لِمَا يَدْخُلُ مِنْ الرُّطُوبَاتِ وَالْبَلَلِ فِي بِنَاءِ دَارِهِ.
وَكَذَلِكَ الدَّبَّاغُ لَا يَبْقَى ضَرَرُهُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ الدَّبَّاغِينَ كُلَّمَا زِيدَ فِي أَوَانِي الدَّبَّاغِ وَفِي عَمَلِهِ كَانَتْ رَوَائِحُ ذَلِكَ أَكْثَرَ وَأَضَرَّ، وَهَذَا مَا عَلِمْنَاهُ وَلَمْ نَزَلْ نَسْمَعُهُ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي مَعِينِ الْحُكَّامِ قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ: الَّذِي أَقُولُ بِهِ وَأَنْقُلُهُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ: أَنَّ جَمِيعَ الضَّرَرِ يَجِبُ قَطْعُهُ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ رَفْعِ بِنَاءٍ مِنْ هُبُوبِ الرِّيحِ وَضَوْءِ الشَّمْسِ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا، إلَّا أَنْ يُثْبِتَ الْقَائِمُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مُحْدِثَ ذَلِكَ أَرَادَ الضَّرَرَ بِجَارِهِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وُجُوهُ الضَّرَرِ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّمَا تَتَبَيَّنُ عِنْدَ نُزُولِ الْحُكْمِ فِيهَا، مِنْ ذَلِكَ: دُخَانُ الْحَمَّامَاتِ وَالْأَفْرِنَةِ وَغُبَارُ الْأَنْدَرِ وَنَتْنُ الدَّبَّاغِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ يَضُرُّ لِمَنْ جَاوَرَهُ، وَإِلَّا فَاقْطَعُوهُ وَسَوَاءٌ كَانَ قَدِيمًا أَوْ مُحْدَثًا، لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يَسْتَحِقُّ بِالْقِدَمِ، وَإِنَّمَا حِيَازَةُ التَّقَادُمِ الَّذِي جَاءَ فِيهَا الْأَثَرُ، مَنْ حَازَ عَلَى خَصْمِهِ عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ، فِيمَا يَحُوزُهُ النَّاسُ مِنْ أَمْوَالِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْحَائِزَ لِذَلِكَ يَسْتَغْنِي بِالْحِيَازَةِ عَنْ أَصْلِ وَثِيقَتِهِ الَّتِي صَارَ بِهَا إلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ، وَلَا تَكُونُ الْحِيَازَةُ فِي أَفْعَالِ الضَّرَرِ حِيَازَةً، بَلْ لَا يَزِيدُ تَقَادُمُ الضَّرَرِ إلَّا ظُلْمًا وَعُدْوَانًا.
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا أَحْدَثُ الْأَنْدَرُ إلَى جَانِبِ الْجِنَانِ فَأَضَرَّ بِهَا مُنِعَ مُحْدِثُهُ مِنْ ذَلِكَ، عَنْ مُطَرِّفٍ: " إذَا كَانَ مُحْدِثًا، فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ صَاحِبُ الْأَنْدَرِ الِانْتِفَاعَ بِأَنْدَرِهِ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَرْمِ أَقْدَمُ عَلَى عِلْمٍ بِمَا يُصِيبُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute