يُخبر تعالى عن المنافقين من اليهود أنهم إذا لقوا المؤمنينَ أظهروا لهم الإيمان وقالوا:{آمَنَّا}؛ أي: قد آمنَّا، وإذا مَضوا إلى شياطينهم، وخلا بعضُهم ببعضٍ فإنهم يحذرونهم أن يُحدِّثوا المسلمين بما أعطاهم الله من العلم في التوراة مما يكون حجَّةً للمسلمين عليهم، وأنَّ ذلك خلافُ العقل؛ لقولهم: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٧٦)}، فتبيَّن أنَّ قوله: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٧٦)} آخرُ ما أخبر اللهُ به من قول الرؤساء المتبوعين لأتباعهم لائمينَ لهم وموبِّخين على تحديثهم المسلمين بما يكون حجَّة لهم عليهم (١).
{وَإِذَا لَقُوا} أي: منافقو اليهود {الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} بأنَّ محمَّدًا نبيٌّ وهو المبشَّرُ به في كتابنا {وَإِذَا خَلَا} رجعَ {بَعْضهمْ إلَى بَعْض قَالُوا} أي: رؤساؤهم الذين لم يُنافقوا لمَن نافقَ {أَتُحَدِّثُونَهُمْ} أي: المؤمنين {بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ} أي: عرَّفكم في التوراة من نعت محمَّدٍ {لِيُحَاجُّوكُمْ} ليخاصموكم، واللام للصيرورة {بِهِ عِنْد رَبِّكُمْ} في الآخرة، ويُقيموا عليكم الحجَّةَ في ترك اتّباعه مع علمكم بصدقِه {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أنهم يُحاجُّونكم إذا حدَّثتموهم فتنتهوا؟
(١) قيل: هو خطاب من الله تعالى للمؤمنين، وقيل: هو من قول الأحبار للأتباع، واختار هذا القول: الطبري، والطاهر بن عاشور. ينظر: «تفسير الطبري» (٢/ ١٥١)، و «المحرر الوجيز» (١/ ٢٦١)، و «البحر المحيط» (١/ ٤٤٢ - ٤٤٣)، و «التحرير والتنوير» (١/ ٥٧٢).