للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين (١٦٨) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّهِ مَا لَا تَعْلَمُون (١٦٩)} [البقرة: ١٦٨ - ١٦٩]:

هذا خطابٌ من الله لجميعِ الناس مُمتنًّا عليهم بما خلق لهم في الأرض من أنواعِ المآكلِ الطيبةِ من الحبوب والثمار والحيوان، وأَمرهم بالأكل مما خلقَهُ لهم وأباحَهُ لهم ونهاهم عن اتباعِ خطوات الشيطان، وهي: كلُّ ما يأمر به، وذلك إمَّا بمجاوزة الحلالِ إلى الحرامِ، وإمَّا بتحريم الحلال كما فعل المشركون؛ وبهذا تظهرُ مناسبةُ هذه الآية لقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ} [البقرة: ١٦٥].

وقد أخبر -تعالى- عن المشركين أنهم جمعُوا إلى الشركِ تحريمَ ما لم يُحرِّمْه اللهُ، وفصَّلَ ذلك في آياتٍ من سورة الأنعام ثم قال تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٤٨] إلى قوله: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَذَا} إلى قوله: {وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُون (١٥٠)} [الأنعام: ١٥٠].

ثم حذَّرَ مِنْ اتباع خطوات الشيطانِ ببيانِ أنه عدوٌّ بيَّنُ العداوةِ للناس، وأنه لا يأمرُ إلَّا بالسوء والفحشاء والقولِ على الله بغير علمٍ، والسوءُ: كلُّ معصية، والفاحشةُ: كلُّ ما اشتدَّ قُبحُهُ (١)، والقولُ على الله بغير علمٍ هو مِنْ افتراء الكذبِ على الله، وهذا شاملٌ لكلِّ ما لا طريقَ إلى معرفتِه إلَّا الوحي من أسماء الله وصفاتِهِ وشرائع دينِهِ.

ونزل فيمَن حرَّم السوائبَ ونحوَها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأرْضِ حَلالًا} حالٌ {طَيِّبًا} صفةٌ مؤكدةٌ أو مُستلَذًّا {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ} طُرُقَ


(١) ينظر: «المفردات» (ص ٦٢٦).

<<  <   >  >>