للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون (٢٦٦)} [البقرة: ٢٦٦]:

الخطابُ في هذه الآيةِ للمؤمنينَ؛ فإنَّ معناها مُتَّصلٌ بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى}، والاستفهامُ إنكاريٌّ معناه: النفيُ، ومُتضمِّنٌ للتقريرِ؛ فالمعنى: لا يحبُّ أحدٌ منكم أنْ تكون لهُ هذه الجنة مع ما ذُكِر من مصيرها، وما ذُكر من ضعفِ صاحبِها وضعفِ ذريتِه، وهذه الجنةُ مثلٌ ضربَه اللهُ لِمَنْ عملَ عملًا صالحًا يستحقُّ عليه الثوابَ، ثم أبطله بقولٍ أو فعلٍ مما يبطلُ الأعمالَ كالمَنِّ والأذى في الصدقةِ، وبهذا يظهرُ اتصالُ هذه الآيةِ بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم … } الآيةَ.

وأعظمُ ما ينطبقُ عليه هذا المثلُ مَنْ أمضى عمرَهُ في طاعة الله وعند الموتِ ارتدَّ عن الإسلام فأبطلَ كلَّ ما مضى منه من أعمالٍ صالحةٍ، وهذا معنى ما جاء عن ابن عباس، وعن عمرَ رضي الله عنهم في تفسير الآية (١).

وقولُه: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ}: أي: من تحت أشجارِها. وقولُه: {لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}: أي: من أنواع الثمارِ، وهو يدلُّ على أنَّ في هذه الجنةِ أنواعَ الأشجارِ ذاتِ الثمرِ، وخصَّ النخلَ والعنبَ بالذكر؛ إما: لكثرتِهِما فيها، وإما لفضلِهما على سائر الشجرِ لكثرةِ منافعِهما (٢).

وقولُه: {وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ}: الواو واو الحال؛ أي: وقد أصابَه الكِبرُ فهو عاجزٌ عن الكسب. {وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء}: هم عاجزون كذلك، و {ضُعَفَاء}:


(١) ينظر: صحيح البخاري (٤٥٣٨)، و «تفسير الطبري» (٤/ ٦٨٢ - ٦٨٤)، و «تفسير ابن أبي حاتم» (٢/ ٥٢٢)، و «الدر المنثور» (٢/ ٤٧ - ٤٩).
(٢) ينظر: «الكشاف» (١/ ٤٩١)، و «المحرر الوجيز» (٢/ ٧٠)، و «تفسير القرطبي» (٣/ ٣١٩).

<<  <   >  >>