للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين (١٨٠) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيم (١٨١) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم (١٨٢)} [البقرة: ١٨٠ - ١٨٢].

هذا خبرٌ من الله بأنه كتب؛ أي: فرض على مَنْ حضرَه الموتُ؛ كالذي وجبَ عليه القصاصُ، وبهذا تظهرُ مناسبةُ الآيةِ لِمَا قبلها.

وقوله: {كُتِبَ}: على تقدير واو العطف؛ أي: وكُتب.

{إِنْ تَرَكَ خَيْرًا}: أي: مالًا، أن يوصي لوالديه وأَقربائه بالمعروف؛ أي: بالقَدْر المعروف الذي لا إفراطَ فيه ولا تفريط.

{حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين (١٨٠)}: أي: واجبًا على المتقين الذين يرجون لقاءَ الله ويخافونه، فحقًا: مصدرٌ مؤكَّدٌ لمضمون الجملة السابقة؛ فالمعنى: أَحقَّ اللهُ ذلك الحكم حقًا.

وقد دلَّت الآيةُ على وجوب الوصية للوالدين والأقربين، وذهب جمهورُ العلماء إلى أنها منسوخة بآية المواريث مع قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللَّهَ قد أَعطى كلَّ ذي حقٍّ حَقَّه، فلا وصيَّةَ لوارثٍ)) (١)، وذهب جماعةٌ من أهل العلم إلى أَنَّ الآيةَ محكمةٌ؛ أي: ليست منسوخةً، قالوا: إنَّ آيات المواريث والحديث مخصِّصةٌ لهذه الآية؛ فتجبُ الوصيةُ للوالدين والأقربين غير الوارثين، ومن


(١) أخرجه أبو داود (٢٨٧٠)، والترمذي (٢١٢٠)، وابن ماجه (٢٧١٣) من طريق إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، قال: سمعت أبا أمامة: فذكره. قال الترمذي: «هذا حديث حسن». ورجاله ثقات؛ على لينٍ في شرحبيل -وهو الخولاني الشامي-، فهو صدوق فيه لين كما في «التقريب» (٢٧٧١)، وله شواهد تربو على العشرة. ينظر: «التلخيص الحبير» (٤/ ٢٠٦٥ رقم ١٧٧٠)، و «الإرواء» (رقم ١٦٥٥).
وقوله: ((لا وصية لوارث))، متواتر كما جنح إليه الشافعي وغيره. ينظر: «الأم» للشافعي (٤/ ١١٤)، والرسالة (ص ١٣٩)، ونظم المتناثر (١٨٩).

<<  <   >  >>