لَمَّا أَمر اللهُ الأَزواجَ المتوفَّى عنهنَّ بالتربُّصِ عن النكاح ودواعيه مدَّةَ العدَّةِ، وأَباحَ لهنَّ إذا بلغنَ أَجلهنَّ ما شِئنَ من ذلك؛ بيَّنَ تعالى حُكمَ خِطبتهنَّ في العدَّةِ؛ فقال تعالى:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء}، والتعريضُ ضدَّ التصريحِ، فالتعريضُ هو الكلامُ مع المعتدَّةِ، مما يدلُّ على الرغبة في النكاح؛ مثل: أَني أَرغب في نكاح زوجةٍ ثانيةٍ، أَوْ: ليت لي زوجة مثلك. وقوله تعالى:{أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ}: أَي: أَضمرتم خِطبتهنَّ بعد انقضاء عِدَّتهنَّ، فنفى سبحانه وتعالى الجُناحَ -وهو الإثمُ- عن التعريض بالخطبة، أَوْ: نيِّةِ الخطبةِ التي تكون في القلب، ثم بَيَّنَ تعالى سببَ هذه الرخصة، وهو عِلمُه تعالى برغبة الرجال في نكاح المتوفَّى عنهنَّ؛ فقال تعالى:{عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ}.
ثم بَيَّنَ تعالى ما لا يحلُّ؛ وهو التصريحُ في الخطبة بمواعدتهنَّ النكاحَ بعد انقضاء العدَّةِ، وهو قوله تعالى:{وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا}؛ أَي: لا تُسِرُّونَ إِليهنَّ بخطبتهنَّ وعزمِكم على نكاحهنَّ بعد انقضاء عِدَّتِهِنَّ.
وقوله:{إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَّعْرُوفًا}: وهذا استثناءٌ منقطعٌ، والقولُ المعروفُ: ما أَباحهُ اللهُ من التعريض بخطبتهنَّ. وقوله تعالى:{وَلَا تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ}: نهيٌ من الله -تعالى- عن عقد النكاحِ على المعتدَّةِ من الوفاة حتى يبلُغَ الكتابُ أَجلَه؛ وهو حُكمُ اللهِ المبينِ في الآية السابقةِ، وذلك بأَن تمضي أَربعةُ أَشهرٍ وعشرٌ.