للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣)} [البقرة: ٥١ - ٥٣]:

{وَإِذْ وَاعَدْنَا} الواو عاطفة، و «إِذْ»: ظرفٌ مُتعلِّقٌ بـ «اذكروا»، واعدَ اللهُ موسى أن يأتيه عند جبل سيناء على رأس أربعينَ ليلةٍ، وقد واعده ثلاثينَ ليلة ثمَّ أتمَّها بعشرٍ؛ فتمَّ ميقاتُ ربِّه أربعينَ، ثم لمَّا ذهب موسى لميقات ربِّه، صنع السامريُّ لبني إسرائيلَ عِجلًا من الحُلي الذي كان معهم، وقال لهم: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (٨٨)} [طه: ٨٨]، فأطاعوه وعكفوا عليه، وأنكر عليهم نبيُّ الله هارون عليه السلام فأَبوا أن يتركوا العكوفَ على العجل الذي اتخذوه إلهًا، وقد فصَّلَ اللهُ قصةَ العجل في سورة الأعراف (١) وسورة طه (٢)، وأشار اللهُ إلى ذلك في هذه الآية؛ فقال: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (٥١) وأصلُ الظلم: وضعُ الشيء في غير موضعه (٣).

وفي هذه الآية تذكيرٌ للموجودين من بني إسرائيل بقبيحِ ما صنعه أسلافُهم؛ تحذيرًا لهم من أن يركبوا طريقَهم بعصيان هذا الرسول محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كما عصى آباؤهم موسى رسولَ الله إليهم، وفي هذا المقام يُذكِّرهم بنعمتين أنعم اللهُ بهما على مَنْ قبلهم:

أُولاهما: عفوه تعالى عن الذين تابوا من عبادة العجل.

والنعمةُ الثانية: ما آتى اللهُ موسى من الكتاب، وهو التوراة، وفيها الفرقان، وذلك في قوله تعالى: {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣)}، فدخل مضمونُ هاتين


(١) آية رقم (١٤٨) فما بعدها.
(٢) آية رقم (٨٥) فما بعدها.
(٣) ينظر: «لسان العرب» (١٢/ ٣٧٣).

<<  <   >  >>