يُذكِّرُ تعالى نبيَّه والمؤمنين مخبرًا لهم بدعاء خليله إبراهيم للبلد الحرام بأن يجعله آمنًا ويرزق أهله المؤمنين بالله واليوم الآخر من كلِّ الثمرات، فأجاب اللهُ دعاءَه، وأخبر تعالى أنَّ رِزقَه لا يختصُّ بمَن آمن بالله واليوم الآخر من أهل الحرم؛ بل يرزق مَنْ كفر منهم متاعًا قليلًا ثم يصير بكفره إلى النار وبئس المصير؛ فمعنى الآية: واذكروا حين قال إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا} أي: هذا البلد كما في سورة إبراهيم «٣٥»، فاسم الإشارة هو المفعول الأول لـ {اجْعَلْ}، و {بَلَدًا} هو المفعول الثاني، و {آمِنًا} صفة؛ أي: يأمنُ مَنْ يحلُّ فيه مما يحصل لمن حولَه من نهبٍ وقتلٍ؛ كما قال تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}[العنكبوت: ٦٧].
وقوله:{وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}: أي التي تُجلَبُ إليهم من البلدان ذات العيون والبساتين؛ لأنَّ مكة ليست ذات زرع وأشجار وثمار، وخصَّ عليه السلام بهذا الدعاء مَنْ آمنَ بالله واليوم الآخر؛ لأنهم الذين يستعينون بنِعَمِه ورزقه على طاعته، ولكنه تعالى أخبر أنه يمتعُ برزقه مَنْ كفر متاعًا قليلًا ثم يجزيه على كفره بعذاب النار، فبيَّنَ سبحانه أنَّ رِزقه في الدنيا يشمل البرَّ والفاجرَ والمؤمنَ والكافرَ.
{وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَذَا} المكان {بَلَدًا آمِنًا} ذا أمنٍ، وقد أجاب اللهُ دُعاءَه فجعله حَرَمًا لا يُسفكُ فيه دمُ إنسانٍ، ولا يُظلَمُ فيه أحدٌ، ولا يُصادُ صيدُه، ولا يُختلى خلاه {وَارْزُقْ أَهْله مِنْ الثَّمَرَات} وقد فعل، بنقل الطائف من الشام إليه، وكان أقفر لا زرع به ولا ماء {مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ