للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩)} [البقرة: ١٣٩]:

يأمر اللهُ نبيَّه بالإنكار على أهل الكتاب اليهود والنصارى جدالهم في الله؛ أي: في توحيده وإخلاص العبادة له، والحال أنه سبحانه {رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ}؛ لأنه خالقنا ومالكنا ومُدبِّر أمرنا، فليس أحدٌ منَّا أولى به من الآخَر إلا بحسب كمال الإيمان وكمال الإخلاص وتحقيق التوحيد، وكلٌّ منَّا له عمله لا يُسأَلُ عنه غيرُه، فكلٌّ بريءٌ من عمل غيرِه كما قال تعالى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١)} [يونس: ٤١].

وقد رُوي في سبب نزول هذه الآية أنَّ أهلَ الكتاب قالوا للمسلمين: نحن أولى بالله منكم وديننا خير من دينكم؛ لأنَّ نبيَّنا قبل نبيِّكم وكتابَنا قبل كتابكم (١)، فأمر اللهُ نبيَّه والمؤمنين أن يُنكروا عليهم ذلك الجدال وهذه الدعوة، فليس الفضلُ بتقدُّمِ الزمان، ويدلُّ على أنَّ هذا الإرشاد من الله للنبي والمؤمنين أنه أفردَ ضميرَ الخطاب ثم جمعه؛ فقال سبحانه: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا}، فكان المعنى: قل يا محمد ويا أيها المؤمنون لليهود والنصارى الذين زعموا أنهم أولى بالله منكم ودينهم خيرٌ من دينكم، ولذا قالوا: {كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} [البقرة: ١٣٥]، قولوا لهم: {أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ}؛ أي: تخاصموننا وهو ربنا جميعًا، وكلٌّ له عمله، {وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩)} العبادةَ، لا نشركُ به شيئًا، وأنتم به مشركون بعبادتكم العجل واتخاذِ المسيح وأمِّه إلهين من دون الله، واتخاذ الأحبارِ والرهبان أربابًا من دون الله، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)} [التوبة: ٣١].


(١) ينظر: «تفسير الطبري» (٢/ ٦٠٧)، و «العجاب في بيان الأسباب» (١/ ٣٨٤ - ٣٨٥).

<<  <   >  >>