للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠)} [البقرة: ٣٠]:

يذكر تعالى بقوله حين قال للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} أي: سأجعل فيها مَنْ يخلف مَنْ سبقَه مِنْ المخلوقات وهو آدمُ وذريته، وهم أممٌ يخلف بعضهم بعضًا، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ} [فاطر: ٣٩]، وقد أطلعَ - سبحانه - الملائكةَ على ما يحصل من بني آدم من الإفساد في الأرض وسفكِ الدماء، لذلك قالوا متعجّبين مِنْ خلق مَنْ هذه صفته من الإفساد وسفك الدماء وجعلِهم خلفاءَ في الأرض، هذا وهم - أي: الملائكةُ - قائمونَ بما يليق بالله من حقِّه عليهم تسبيحًا وتحميدًا وتقديسًا، وإنما صدر هذا التعجُّبُ من الملائكة؛ لعدم علمهم بحكمته - تعالى - في خلقه وتدبيره، ولذلك جاء الرد قال: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠)}.

{و} اذكرْ يا محمد {إذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} يَخْلُفُنِي في تنفيذِ أحكامي فيها، وهو آدم {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا} بالمعاصي {وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} يُرِيقهَا بالقتل كما فعلَ بنو الجانِّ، وكانوا فيها فلمَّا أفسدوا أرسلَ اللهُ عليهم الملائكة فطردوهُم إلى الجزائرِ والجبالِ {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ} مُتَلَبِّسِينَ (١) {بِحَمْدِكَ} أي: نقولُ: سبحان الله وبحمده {وَنُقَدِّسُ لَك} نُنَزِّهكَ عما لا يليقُ بكَ، فاللام زائدةٌ، والجملة حالٌ، أي: فنحن أحقُّ بالاستخلافِ {قَالَ} تَعَالَى {إنِّيَ أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} مِنْ المصلحة في استخلافِ آدم وأنَّ ذريتَه فيهم المطيعُ


(١) في النسخة المحققة (ص ١٦): (مُلتَبسين)، وأشار المحقق لنسخة (مُتَلَبِّسِينَ) كما أثبتناه، وهو ما رجحه شيخنا.

<<  <   >  >>