للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون (١٧٢) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم (١٧٣)} [البقرة: ١٧٢ - ١٧٣]:

هذا خطابٌ من الله للمؤمنين يأمرهم فيه ممتنًا عليهم ومبيحًا لهم الأكل من طيبات ما رزقَهم، ويأمرهم بشكره تعالى على ما أَولاهم من الرزق، ويُبيِّنُ تعالى أنَّ طاعتَه وشكرَه هو مُقتضَى عبادتهم له وحده لا شريك له، والشكرُ: هو الطاعةُ والتعظيم والثناء في مقابل النعمة (١)، ولهذا قال تعالى: {وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون (١٧٢)}.

ثم أخبر تعالى عبادَه بما حرَّمه من المطاعم الخبيثةِ، وهي: الميتةُ والدمُ والخنزيرُ وما ذُبِحَ لغير الله، وقد ذكر اللهُ تحريمَ هذه الأربعة في سورة المائدة والأنعام والنحل، وهذه أَخبثُ المطاعم التي كان أهلُ الجاهلية يأكلونها من العرب وغيرهم.

و {إِنَّمَا}: أداةُ حصرٍ؛ فالمعنى: ما حرَّم اللهُ إلَّا الميتةَ والدمَ إلى آخر الآية، وذلك قبل تحريم الخمر وكلِّ ذي نابٍ من السِّباع وكلِّ ذي مخلبٍ من الطير وتحريمِ الحُمُر الأهلية، ولهذا لم يرد الحصرُ في سورة المائدة.

والميتةُ: كلُّ ما مات حَتْفَ أَنفِه مما لا يحلُّ إلَّا بالذكاة، والمرادُ بالدم: الدم المسفوح كما في سورة الأنعام، وهو الذي يسيلُ بخلاف الدم الذي خلقه اللهُ جامدًا كالكبد والطحال، والخنزيرُ: هو الحيوانُ الخبيثُ المعروف الذي هو من أشهى أَطعمة النصارى.


(١) ينظر مباحث نافعة عن تعريف الشكر، وأركانه، والفرق بينه وبين الحمد في: «مدارج السالكين» (٢/ ٥٨٦ - ٦١٠).

<<  <   >  >>