للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١١١) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢)} [البقرة: ١١١ - ١١٢]:

يُخبر تعالى عن اليهود والنصارى أنهم قالوا: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى}، ومعنى ذلك أنَّ الجنةَ مختصَّةٌ بهم، وخالصةٌ لهم من دون الناس، وهذا ما سبق الإشارةُ إليه في قوله تعالى: {إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ} [البقرة: ٩٤] (١)، و {أَوْ} للتقسيم والتنويع بعد الإجمال؛ فالمعنى: وقالت اليهود: لن يدخلَ الجنةَ إلا من كان هودًا، وقالت النصارى: لن يدخلَ الجنةَ إلا من كانوا نصارى (٢).

ثم بيَّنَ تعالى أنه لا حقيقةَ لقولهم، بل هو محضُ أماني، وأنهم لا برهان لهم على ما قالوا؛ فقال تعالى: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١١١)}، وهذا أمرُ تعجيزٍ، ثم بيَّنَ سبحانه وتعالى أنَّ المستحقَّ لدخول الجنة وله الأجر عند الله هو مَنْ أسلم وجهَه لله بعبادته وحده لا شريك له، وهو محسنٌ باتباع الرسولِ، فذلك الذي له الأجرُ عند الله {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢)}. وفي هذه الآية عَودٌ إلى الإخبار عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وذِكرُ أقوالهم الباطلة بعد ما مرَّ في الآيات السابقة من خطاب للمؤمنين أمرًا ونهيًا وتحذيرًا وإرشادًا، لكنَّ المعني في الآيات التي قبل ذلك من «٤٠» إلى «١٠٣» هم اليهود، والمعني: في هذه الآية «١١١» وما بعدها الطوائفُ الثلاثُ؛ اليهود والنصارى والمشركون.


(١) ينظر: (ص ٢٠٦).
(٢) ينظر: «تفسير الطبري» (٢/ ٤٢٨)، و «المحرر الوجيز» (١/ ٣٢٢ - ٣٢٣)، و «التحرير والتنوير» (١/ ٦٧٢ - ٦٧٣).

<<  <   >  >>