يؤكد -تعالى- في هاتين الآيتين أمرَه نبيَّه والمؤمنين باستقبال المسجد الحرام حيث كانوا من الأرض، ومِن أي مكانٍ خرجوا، ويؤكد -سبحانه- الخبرَ بأن استقبال المسجد الحرام هو الحقُّ، فقد أمر بذلك في الآيات السابقة، وأخبر بأنه الحقُّ؛ أي: حكمٌ شرعَه اللهُ وفرضَه؛ ثم أخبر عن حكمتِه فيما شرعَ من استقبال البيت الحرام، وذلك قوله:{لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ}، ومعنى ذلك: أنهم لو لم يستقبلوا المسجد الحرام لاحتجَّ عليهم أهل الكتاب بما هو موجودٌ في كتبِهم من أنه صلى الله عليه وسلم يستقبل قبلة إبراهيم، واحتج عليهم المشركون كذلك، وقالوا: إنه ترك قبلةَ إبراهيم الذي يزعم أنه مأمورٌ باتِّباع مِلَّتِه. وقوله:{إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} وهم اليهود والمنافقون الذين طعنوا في تحويل القِبلة، وهم الذين قال الله فيهم:{سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}.
ثم أمر الله المؤمنين بخشيتِه ونهاهم عن خشيةِ الظالمين من الكفار والمنافقين، وبيَّنَ -تعالى- أنَّ من حكمتِه في تحويل القبلة: إتمامُ النعمة على المؤمنين وليكونوا مهتدين، فإنَّ التوجُّه في الصلاة جهةَ المسجد الحرام من الهدى الذي شرَعَهُ الله لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم ولأُمته؛ كما قال تعالى: {قُلْ لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم (١٤٢)}.