للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥)} [البقرة: ١١٥]:

بعدما ذكر اللهُ ما يدلُّ على فضل المساجد فقد أضافها إلى نفسه تعالى وذمَّ وتوعَّدَ المانعين لها أن يُذكَر فيها اسمُه، والمساجدُ مواضعُ الصلاة، أخبر تعالى في هذه الآية بسعة ملكه، فله المشرقُ والمغربُ، فإلى أيِّ جهةٍ وجَّه المصلي فهناك جهةُ القبلة إذا كان قد أمر الله بها، وهذا معنى قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}؛ أي: قبلة الله، وعلى هذا فليست الآية من آيات الصفات؛ لأنَّ المراد بالوجه: «الجهة» (١).

وقيل: المرادُ بالوجه: {وَجْهُ اللَّهِ} الذي هو صفته الموصوف بالجلال والإكرام، ويدل لهذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدكم إذا قام يصلي، فإن الله تبارك وتعالى قبل وجهه، فلا يبصقنَّ قبل وجهه)) (٢)، وعلى هذا فالآية من آيات الصفات؛ لأنها دالةٌ على إثبات الوجه لله تعالى (٣)، والآية تحتمل القولين، والقولُ الأوَّلُ هو قولُ جمهور المفسرين (٤)، وهو الذي يدلُّ عليه


(١) وإلى هذا القول ذهب شيخ الإسلام. ينظر: «بيان تلبيس الجهمية» (٦/ ٧١) وما بعدها، و «جامع المسائل» (٨/ ١٩٣ - ١٩٤)، و «مجموع الفتاوى» (٢/ ٤٢٨ - ٤٢٩)، (٣/ ١٩٣)، (٦/ ١٥ - ١٧).
(٢) أخرجه مسلم (٣٠٠٨) عن جابر بهذا اللفظ، وأخرجه البخاري (٤٠٦)، (٧٥٣) ومسلم (٥٤٧) عن ابن عمر بنحوه.
(٣) عامة أهل الإثبات جعلوا هذه الآية من آيات الصفات وذكروها مع نصوص الوجه، وحكاه الطبري عن بعض أهل التفسير. ينظر: «تفسير الطبري» (٢/ ٣٥٩)، و «النقض على المريسي» (١/ ٢١٦ - ٢١٧)، (٢/ ٧٠٤) (٢/ ٧٠٥)، (٢/ ٧٥١)، و «التوحيد» لابن خزيمة (١/ ٢٥)، و «الإبانة» لابن بطة (٧/ ٣١٩)، و «الحجة في بيان المحجة» (١/ ١١٣)، و «مختصر الصواعق» (٣/ ١٠١٠ - ١٠٢٤)، و «تفسير السعدي» (١/ ٨٧)، و «تفسير الفاتحة والبقرة» للعثيمين (٢/ ١٣ - ١٤).
(٤) قاله ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وعكرمة والشافعي. ينظر: «تفسير الطبري» (٢/ ٤٥٩)، و «تفسير ابن كثير» (١/ ٣٩١) و «الأسماء والصفات» للبيهقي (٢/ ١٠٦ - ١٠٧).

<<  <   >  >>