للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُمْ مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم (٢٦٨)} [البقرة: ٢٦٨]:

لَمَّا أَمر اللهُ بالإنفاق في سبيله ورغَّب في ذلك وأَمرَ بالإنفاق من طَيِّبِ المالِ؛ حذَّرَ سبحانه من العدوِّ الذي يأمرُ بضدِّ ما أَمر اللهُ به، ويعدُ بضدِّ ما يعدُ اللهُ به؛ وهو الشيطانُ إبليس وذريته وأَتباعه؛ فقال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} يعني: يُخوِّفكم الفقرَ إذا أَنفقتم أَموالَكم. {وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء}؛ قيل: هي البخلُ، وقيل: المعاصي عامَّة (١).

{وَاللّهُ يَعِدُكُمْ مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً}: مغفرةً لذنوبكم مما يحصل من التفريط بما أَوجب عليكم، ويَعدكم فضلًا؛ أي: ثوابًا وزيادةً في أموالكم بما يُخلفه لكم كما قال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِين (٣٩)} [سبأ: ٣٩]، وفي هذا تحذيرٌ من طاعة الشيطانِ فيما يأمرُ به، وترغيبٌ في الإِنفاق مع حُسْنِ الظنِّ بالله وتصديقِ وعدِه.

{وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم (٢٦٨)}: لا حدَّ لعطائه، ولا ينفذُ ما عنده. {عَلِيم (٢٦٨)}: بكلِّ شيءٍ، وبأَعمال العبادِ، وبما في قلوبهم من النيَّات، وقد ذكر ابنُ كثيرٍ في تفسيره عند هذه الآية (٢) حديثًا رُويَ عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا وموقوفًا، أَخرجه ابنُ أبي حاتمٍ والترمذيُّ والنَّسائيُّ وابنُ حبان؛ قال فيه الترمذي بعد روايته: «حَسنٌ غريبٌ، وهو حديثُ أبي الأحوص -يعني سلام بن سليم- لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديثه» (٣)، ولفظُه عند ابنِ أَبي حاتم كما ذكر ابنُ كثير عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ للشيطان لمَّة بابن آدم، وللملك لمَّة، فأَمَّا لمَّةُ الشيطانِ فإيعادٌ بالشرِّ وتكذيبٌ بالحقِّ، وأَمَّا لمَّةُ المَلَكِ فإيعادٌ


(١) ينظر: «زاد المسير» (١/ ٢٤٢)، و «تفسير البيضاوي» (١/ ١٦٠)، و «البحر المحيط» (٢/ ٦٨١).
(٢) «تفسير ابن كثير» (١/ ٦٩٩ - ٧٠٠).
(٣) ينظر: «جامع الترمذي» (٢٩٨٨).

<<  <   >  >>