للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (٨٧)} [البقرة: ٨٧]:

يُخبر تعالى في هذه الآية أنه آتى موسى عليه السلام الكتابَ؛ وهو التوراة، وإن كان قد تقدَّم الخبرُ بذلك في قوله تعالى: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ}، ثم أخبر بذلك في هذه الآية تمهيدًا لِمَا سيذكره بعدُ من إرسال الرُّسل وإيتاء عيسى البيِّنات وتأييده بروح القدس، وإنكاره تعالى على بني إسرائيل استكبارَهم عن اتّباع الرُّسل الذين أُرسلوا إليهم منهم فكذبوهم وقتلوا بعضهم.

وقوله: {وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ}: يعني: وأرسلنا من بعده رسلًا وهم أنبياء بني إسرائيل المتعبدون بشريعة التوراة، وسمَّاهم رسلًا لأنهم مأمورون بالدعوة إلى الله والحكم بين الناس بالتوراة، وخصَّ منهم عيسى بن مريم عليه السلام فقال: {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}، والبينات: هي الآيات التي أجراها الله على يده عليه السلام، إذ جعله يخلق من الطين كهيئة الطيرِ فينفخُ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، ويُبرئُ الأكمه والأبرص ويُحي الموتى - بإذن الله -، وروح القدس قيل: جبريل، وقيل: الوحي الذي به حياةُ القلوب والأرواح (١)، والقُدُسُ: هو الطُهر (٢)، وإضافةُ الرُّوحِ إلى القدس من إضافة الموصوف إلى الصفة.

وقوله تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ}: الخطابُ لليهود الذين كانوا زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والاستفهامُ توبيخٌ لليهود المخاطبين على استكبار آبائهم على مَنْ أُرسل إليهم، ففريقًا من الرسل كذَّبوه وفريقًا قتلوه، وإنما استحقَّ اليهودُ الذمَّ والتوبيخَ لأنهم مشوا على طريق أسلافهم في تكذيب الرسل وعداوتهم.


(١) ينظر: «تفسير الطبري» (٢/ ٢٢١ - ٢٢٣)، و «المحرر الوجيز» (١/ ٢٧٨).
(٢) قاله ابن عباس. ينظر: «تفسير الطبري» (٢/ ٢٢٣).

<<  <   >  >>