للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {* تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَنْ كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِم مِنْ بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيد (٢٥٣)} [البقرة: ٢٥٣]:

يُخبر تعالى أَنَّ الرسلَ الذين سبق ذكرُهم في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢)} قد فضَّل بعضَهم على بعضٍ، وخصَّ مَنْ شاء منهم بما شاء من التفضيل؛ فمنهم مَنْ كلَّمه اللهُ؛ كموسى ومحمد -صلى الله عليهما وسلم-، ومنهم مَنْ رَفعه الله درجاتٍ؛ كإبراهيم ومحمد -عليهما الصلاة والسلام-، وذلك قوله تعالى: {مِّنْهُم مَنْ كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}، وقوله: {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، لا يُعارضه قولُه صلى الله عليه وسلم: ((لا تفضلوا بين أنبياء الله)) (١)، وقولُه: ((لا تخيروني على موسى)) (٢)، أي: لا تفضلوني، وأَحسن ما قيل في الجمع: أَنَّ النهيَ عن التفضيل ما يكون على وجه التعصُّب للمفضَّل، أو على وجه الازدراء للمُفضَّل عليه، وذُكر في الجمع وجوهٌ أُخرى (٣).

وقولُه تعالى: {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ}: أَي: الحججِ الواضحاتِ، ويدخل فيها إِيتاءَ الإنجيل وما ذكر من خَلْقِ الطيرِ وإِبراءِ الأَكمه والأَبرصِ وإِخراجِ الموتى، وكلُّ ذلك بعلم الله.

وقولُه: (أَيَّده): أَي: قوَّاه، {بِرُوحِ الْقُدُسِ}: جبريل، وقيل: هو العلمُ الذي أَوحاه اللهُ إلى عيسى؛ كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} [الشورى: ٥٢]، والقولُ الأَولُ أَشهرُ (٤)، وأخبر أنه آتى عيسى ابن مريم البينات


(١) أخرجه البخاري (٣٤١٤)، ومسلم (٢٣٧٣)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) أخرجه البخاري (٢٤١١)، ومسلم (٢٣٧٣)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) وهناك أجوبة أخرى بلغت خمسة أوجه. ينظر: «شرح مشكل الآثار» (٣/ ٥٦ - ٥٧) وما بعدها، و «كشف المشكل من حديث الصحيحين» لابن الجوزي (٣/ ١٤٣ - ١٤٤)، و «شرح مسلم» للنووي (١٥/ ٣٧ - ٣٨)، و «فتح الباري» (٦/ ٤٤٤).
(٤) تقدم في (ص ١٩٠) في الآية ٨٧.

<<  <   >  >>