للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (٢٤)} [البقرة: ٢٣ - ٢٤]:

هذا خطابٌ من الله للكفار من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين الشاكِّين فيما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم مِنْ هذا القرآن؛ قاله: ابن جرير (١)، واحتجاجٌ عليهم إن كانوا شاكِّين فيما أنزل الله عليهم من القرآن بأن يأتوا بسورةٍ من مثله ثم ليَدعوا شهداءهم؛ أي: أعوانهم وأنصارهم؛ رواه ابن جرير عن ابن عباس (٢)، ورجَّحه، ورجِّح أنَّ الضمير في قوله: {مِنْ مِثْلِهِ} يعودُ إلى القرآن (٣).

{إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣)}: في زعمِكم أن قد جئتم بسورةٍ مثل القرآن. {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا}: ما طُلب منكم من الإتيان بسورةٍ - {وَلَنْ تَفْعَلُوا} - وإذًا فقد قامت الحجَّة عليكم، فوجب عليكم أن تتَّقوا النارَ بالتوحيد والإيمان بالرسول وبما جاء به، وهي النارُ التي وقودها الناسُ والحجارة، وهي معدَّةٌ للكافرين، فتضمَّنت الآيتان تقريرَ رسالة محمَّد صلى الله عليه وسلم، كما تضمَّنت الآيتان قبل تقريرِ التوحيد، فدلَّت الآيات على الشهادتين؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.

وقوله تعالى: {مِمَّا نَزَّلْنَا}: أي من الذي نزَّلناه، وهو القرآن. وقوله تعالى: {عَلَى عَبْدِنَا}: أي رسولنا الذي جاء بالقرآن، ذكره بوصف العبودية الخاصة، وقد ذكره الله بهذا الوصف في أربع مقامات:

أحدها: مقام التحدي، وهو: المذكور في هذه الآية.

والثاني: مقام الإسراء، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: ١]، ومنه مقام الوحي، {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠)} [النجم: ١٠].


(١) «تفسير الطبري» (١/ ٣٩٥).
(٢) «تفسير الطبري» (١/ ٣٩٩).
(٣) «تفسير الطبري» (١/ ٣٩٧).

<<  <   >  >>