يخبر - تعالى - في هذه الآية ممتنًا على عباده بأنه خلق لهم جميع ما في الأرض من أسباب المنافع من أنواع النبات والحيوان والمعادن، ثم صعد إلى السماء فخلق السمواتِ وجعلهُنَّ سبعًا، ثم أخبر أنه بكلِّ شيء عليمٌ، فدلَّت الآيةُ على كمال رحمته وكمال قدرته وإحاطة علمه، وذلك يقتضي أنه الإلهُ الحقُّ، لا يستحقُّ العبادةَ سواهُ، وفي ضمن ذلك تقريعٌ للذين كفروا به فأشركوا به وجحدوا ما أخبرَ به من البعث والجزاء، وبهذا يظهر اتصالُ هذه الآية بالتي قبلها، فالمخاطبون بقوله:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ} هم الذين قيل لهم: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا}.
وقال دليلًا على البعثِ لَمَّا أنكروه:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ} أي: الأرضِ وما فيها {جَمِيعًا} لِتَنتفِعُوا به وتَعتبرُوا {ثُمَّ اسْتَوَى} بعد خلقِ الأرضِ أي: قصدَ {إلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ} الضميرُ يرجعُ إلى السماء؛ لأنها في معنى الجملةِ الآيلةِ إليه، أي: صيَّرَها كما في آية أخرى: {فَقَضَاهُنَّ}[فصلت: ١٢]{سَبْعَ سَمَاوَات وَهْوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم} مُجملًا ومُفصَّلًا، أفلا تَعتبرون أنَّ القادرَ على خلقِ ذلك ابتداءً - وهو أعظم منكم - قادرٌ على إعادتِكم؟
وقولُ المؤلِّف:(أي: الأرضِ وما فيها): يريد أنَّ قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ} يتضمَّن خلقَ الأرض وما فيها؛ لقوله تعالى بعد ذلك:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} كما فصل ذلك في سورة فصلت.