للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم (٢١٨)} [البقرة: ٢١٨]:

يُخبُر تعالى بأَنَّ الذين آمنوا بالله ورسله، وهذا يصدقُ على المهاجرين والأنصار، ثم خصَّ المهاجرين بقوله: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} بقتال الكافرين أعداءِ الله، فعلى هذا يكون عطفُ الموصول من عطف الخاصِّ على العام، وبهذا تظهرُ مناسبةُ هذه الآية للآية قبلها النازلة في شأن سريةِ عبد الله بن جحش، وقد ذكر أَنهم كلَّهم من المهاجرين فلذلك خُصُّوا بوصف الهجرة والجهاد، وعلى هذا فسببُ نزول الآيتين واحدٌ (١)، وقيل: إِنَّ عطفَ الموصول في قوله: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا} من عطف الصفات؛ كقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: ١ - ٣] (٢).

وقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللّهِ}: اسمُ الإشارةِ راجعٌ إلى مَنْ تقدَّم ذِكرُهم، وهم {الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ}، يُخبرُ تعالى أنهم هم الذين {يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللّهِ} على الحقيقة؛ لأنهم الذين قاموا بأَسبابها؛ من الإيمان والهجرة والجهاد في سبيل الله.

ثم أخبر تعالى أنه غفورٌ رحيمٌ، وهو يتضمَّنُ وعْدَ أولئك الرَّاجين لرحمةِ الله بالمغفرة والرحمة؛ فقال تعالى: {وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم (٢١٨)}، والآيةُ وإن كانت نازلةً على سببٍ؛ فمعناها وحكمُها عامٌّ؛ لأَنَّ العبرةَ بعموم اللفظِ لا بخصوص السببِ.

ولَمَّا ظنَّ السرية أنهم إن سلموا من الإثم فلا يحصلُ لهم أَجرٌ نزل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا} فارقوا أوطانهم {وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ


(١) تقدم في (ص ٤٥١).
(٢) ينظر: «البحر المحيط» (٢/ ٣٩٥)، و «تفسير الفاتحة والبقرة» للعثيمين (٣/ ٦٢).

<<  <   >  >>