للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (١٠٧)} [البقرة: ١٠٦ - ١٠٧]:

يُخبر تعالى نبيَّه والمؤمنين خبرًا فيه بشرى لهم، أنه لا ينسخُ آيةً من آيات الكتاب التي أنزلها على نبيِّه إمَّا برفع حُكمِها أو إنساء لفظها إلَّا أتى بخيرٍ منها؛ أي: بأيسر منها لفظًا أو أخفِّ حُكمًا أو أنفع لهم، وإن كان حكمُ الثانية أشقَّ، أو يأتي بآيةٍ مثلها لا أخفَّ ولا أثقلَ (١)، ومَردُّ ذلك إلى حِكمته - تعالى - وعِلمه وقدرته، وعموم ملكه، ولهذا قال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، وما في هذه الآيةِ مِنْ ذِكر النسخِ وحِكمته جاء في سياق الردِّ على اليهود؛ لأنهم زعموا أنَّ النسخ يمتنع على الله؛ لأنه يتضمَّنُ البداء من الله؛ وهو أن يعلم من الأمر ما لم يكن عالمًا به (٢)، ليتوصَّلوا بذلك إلى نفي نسخِ شريعةِ التوراة بشريعة القرآنِ، وإلى الطعنِ في نبوة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وإلى الطعنِ في شريعة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بنسخ استقبالِ بيت المقدس بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة كما سيأتي في الآيات من اثنتين وأربعين إلى خمسين بعد المئة (٣)، وجاء ذِكرُ النسخِ وحِكمتِه في هذه الآية تمهيدًا لِمَا سيأتي من أمر تحويلِ القبلة.

ومعنى النسخ في اللغة: الإزالة، تقول: نسختِ الشمسُ الظلَّ، ويُطلَقُ على نقل الكتاب، تقول: نسختُ الكتابَ؛ أي: نقلتُ المكتوب بكتابة مثله في مكان آخر (٤).


(١) ينظر: «تفسير الطبري» (٢/ ٣٩٩ - ٤٠٢)، و «تفسير ابن كثير» (١/ ٣٧٨).
(٢) ينظر: «التعريفات» للجرجاني (ص ٤٣).
(٣) ينظر: (ص ٣٠١).
(٤) ينظر: «لسان العرب» (٣/ ٦١).

<<  <   >  >>