للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧)} [البقرة: ٥٥ - ٥٧]:

قول تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ}: الواو عاطفةٌ، و «إذ» ظرفٌ يدلُّ على الزمن الماضي، والتقدير: اذكروا حين قلتم، وفي هذا تذكيرٌ لبني إسرائيل بما صدر من آبائهم من القول القبيح: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}، فأَخذتهم الصَّاعقةُ فماتوا، ثم بعثهم اللهُ من بعد موتهم، وفي الآيتين تذكيرٌ لبني إسرائيل الموجودين بسيئةٍ من سيّئات أَسلافهم، وعقوبةِ اللهِ لهم، ثم الإنعامِ عليهم ببعثهم بعد موتهم بالصاعقة، ولهذا قال: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦)} (١).

وقوله تعالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى … } الآية: هذا امتنانٌ من الله على بني إسرائيل الذريَّة الموجودين في عهد النبوة بما أَنعم به على آبائهم من تظليلهم بالغمام وقايةً لهم من حرِّ الشمس، وإنزالِ المنِّ والسَّلوى عليهم، وهما من أطيب الطعام؛ فالمنّ: نوعٌ من الحلوى (٢)، والسَّلوى: نوعٌ من الطيور الناعمة يقال له: السُّمَانَى (٣)؛ كما ذكر المؤلِّف. ثم أخبر تعالى أنه قال لبني إسرائيل الذين أنزل عليهم المنَّ والسَّلوى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، والأمرُ أمرُ إباحةٍ وامتنانٍ (٤)، ونهاهم عن الطغيان؛ كما قال تعالى: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ} [طه: ٨١]، ولكنهم عصوا، ولهذا قال تعالى في هذه الآية: {وَمَا ظَلَمُونَا} أي: ما ظلموا اللهَ بمعصيته، ولكن ظلموا أنفسهم، ولهذا قال تعالى: {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧)}.


(١) ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٦٨٨).
(٢) ينظر الخلاف في: «تفسير الطبري» (١/ ٧٠٠ - ٧٠٤)، و «المحرر الوجيز» (١/ ٢٢٠).
(٣) هو قول الضحاك والشعبي ورواية عن ابن عباس، وقيل: يشبه السماني. ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٧٠٤ - ٧٠٦)، و «تفسير ابن أبي حاتم» (٢/ ١٥٩٢ - ١٥٩٣).
(٤) ينظر: «تفسير ابن كثير» (١/ ٢٧٣).

<<  <   >  >>