للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاق (٢٠٠) وِمِنْهُم مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار (٢٠١) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب (٢٠٢)} [البقرة: ٢٠٠ - ٢٠٢]:

يأمرُ اللهُ -تعالى- عبادَه إذا فرغوا من أداء مناسك حجِّهم أَنْ يذكروه بالثناء عليه؛ بذكرِ أسمائه الحسنى وصفاتِه العُلَى، وذِكر نِعمه التي لا تُحصَى، ذِكرًا مثلَ ذِكرِ آبائهم أو أشد، وكان أهلُ الجاهلية إذا فرغوا من حجِّهم أَقبلوا يتفاخرون بعضهم على بعض ويُعدِّدون مفاخرَ آبائهم.

ثم يذكر سبحانه وتعالى أَنَّ الناسَ صنفان؛ صنفٌ لا يريد إلَّا حظَّ الدنيا والثوابَ العاجل، فهو لا يسألُ ربَّه إلَّا ذلك، وهؤلاء ليس لهم في الآخرة نصيبٌ؛ فقال تعالى في هذا الصنف: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاق (٢٠٠)} أي: نصيب، وأَمَّا الصنفُ الآخرُ: فهم الذين يطلبون الخيرَ والسعادةَ في الدنيا والآخرة، ويسألون ربهم ذلك، وقد أخبر الله عنهم بقوله: {وِمِنْهُم مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار (٢٠١)}، فتضمَّن هذا الدعاءُ سؤالَ الله ثوابَ الدنيا والآخرة، والوقايةَ من عذاب النار، وحسنةُ الدنيا: يدخل فيها كلُّ عملٍ صالحٍ، وكلُّ ما يُعينُ على ذلك من مالٍ وزوجةٍ وولدٍ، وحسنةُ الآخرةِ: هي الجنةُ (١)، فكان هذا الدعاءُ من الجوامع؛ ولهذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُكثر من الدعاء به، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار} كما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه (٢).


(١) ينظر: «تفسير الطبري» (٣/ ٥٤٤ - ٥٤٧)، و «المحرر الوجيز» (١/ ٤٩٢ - ٤٩٣)، و «تفسير ابن كثير» (١/ ٥٥٨).
(٢) أخرجه البخاري (٦٣٨٩)، ومسلم (٢٦٩٠).

<<  <   >  >>