للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا} اسمُ الإشارة: راجعٌ إلى الصنف الثاني من الناس، وهم السعداءُ الراغبون والطالبون لخير الدنيا والآخرة، وأُشيرَ إليهم بإشارة البعيد لعلوِّ منزلتهم وارتفاعِ قدرهم (١)، يُخبرُ تعالى أَنَّ لهم نصيبًا من الثواب في الآخرة بسبب كسبهم؛ أي: عملهم، وهذا مُقابلٌ لقوله في الصِّنفِ الأَوَّلِ الذين لا يريدون إلَّا الدنيا: {وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاق (٢٠٠)}. وقوله تعالى: {وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب (٢٠٢)}: يعني: أَنَّه يُحاسبُ عبادَه حسابًا سريعًا، وقد أَحصى على العباد أعمالهم، فيصير كلُّ فريقٍ من الناس إلى الدار التي هو من أهلها، الجنة أو النار؛ {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير (٧)} [الشورى: ٧].

{فَإِذَا قَضَيْتُمْ} أَدَّيتم {مَنَاسِكَكُمْ} عباداتِ حجِّكم، بأَن رَميتم جمرةَ العقبةِ وطُفتم واستقررتم بمنى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ} بالتكبيرِ والثناءِ {كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} كما كنتم تذكرونهم عند فراغِ حجِّكم بالمفاخرة {أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} مِنْ ذكركم إيَّاهم، ونصب «أشد» على الحال من «ذكرًا» المنصوب بـ «اذكروا»، إذ لو تأخَّر عنه لكان صفةً له {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا} نصيبنا {فِي الدُّنْيَا} فيؤتاه فيها {وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} نصيبٍ {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} نعمةً {وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} هي: الجنةُ {وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} بعدم دخولها، وهذا بيانٌ لِمَا كان عليه المشركون ولحالِ المؤمنين، والقصدُ به: الحثُّ على طلب خيري الدارين كما وعد بالثواب عليه بقوله {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ} ثوابٌ {مـ} ن أَجل {ما كَسَبُوا} عملوا من الحجِّ والدعاءِ {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} يُحاسِبُ الخلقَ كلَّهم في قدر نصفِ نهارٍ من أيام الدنيا؛ لحديث بذلك.


(١) ينظر: «تفسير القاسمي» (٢/ ٩٧).

<<  <   >  >>