للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {* إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيم (١٥٨)} [البقرة: ١٥٨]:

الصفا والمروةَ جبلانِ صغيرانٍ أحدُهما في الجنوب الشرقيّ من البيت عند جبلِ أبي قُبَيسٍ (١)، والمروة في الشمال الشرقي عند جبل قُعَيْقِعَان (٢)، وقد أخبر -سبحانه- في هذه الآية أنهما من شعائرِ الله؛ أي: من معالم دينِه، فلذا شُرِعَ الطواف بهما بالتردُّدِ بينهما بدءًا بالصفا وذهابًا إلى المروة سبعَ مراتٍ، ذهابُه مرة ورجوعُه مرة، فينتهي بالمروة، ويسعى في بطن الوادي وهو ما بين العلمَين.

وقد شرع الله الطوافَ بهما في كلِّ حجٍّ وعمرةٍ، لقوله: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بهما في كل حجٍّ وعمرةٍ، وقال: ((خُذُوا عَنِّي مناسِكَكُم)) (٣)؛ فعُلم أنه لا يشرعُ الطواف بينهما إلا للحاجِّ والمعتمر.

وقد اختلف العلماءُ في حكم الطوافِ بينهما؛ فقيل: سُنَّة، وقيل: واجب، وقيل: ركن، والأقرب أنه واجب (٤).


(١) أَبو قُبَيْسٍ: بلفظ التصغير، كأنه تصغير قبس النار: وهو اسم الجبل المشرف على مكة، وجهه إلى قعيقعان ومكة بينهما، أبو قبيس من شرقيّها، وقعيقعان من غربيّها، قيل سمّي باسم رجل من مذحج كان يكنّى أبا قبيس، لأنه أول من بنى فيه قبّة. ينظر: «معجم البلدان» (١/ ٨٠).
(٢) قُعَيْقِعَانُ: بالضم ثم الفتح، بلفظ تصغير: وهو اسم جبل بمكة، قيل: إنما سمي بذلك لأن قطوراء وجرهم لما تحاربوا قعقعت الأسلحة فيه. ينظر: «معجم البلدان» (٤/ ٣٧٩).
(٣) أخرجه مسلم (١٢٩٧) من حديث جابر، وهو بهذا اللفظ عند البيهقي في «السنن الكبرى» (٩٦٠٠).
(٤) وهو مذهب الحسن البصري، وأبي حنيفة، والثوري، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها من أصحابه القاضي، ورجحها ابن قدامة في «المغني»، ونسب ابن تيمية هذا القول إلى جمهور الأصحاب، والمذهب عند المتأخرين أنه ركن كما في «شرح المنتهى» (٢/ ١٧٤)، =
= و «كشاف القناع» (٦/ ٣٥٨). ينظر: «المغني» (٥/ ٢٣٨ - ٢٣٩)، و «شرح العمدة» لابن تيمية (٥/ ٣٥٨) وما بعدها.

<<  <   >  >>