للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (٨٨) وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (٨٩) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (٩٠)} [البقرة: ٨٨ - ٩٠]:

يُخبر تعالى في هذه الآية عن اليهود الذين كانوا هم المخاطَبين في الآيات السابقة، أخبر عنهم بلفظ الغيبة، ففيه التفاتٌ من الخطاب إلى الغيبية أنهم قالوا معتذرين عن عدم قبول دعوة النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الاستهزاء أنَّ قلوبَهم غُلْفٌ؛ أي: عليها غشاءٌّ يمنعها من الفهم، و {غُلْفٌ}: جمعُ أغْلف، وهو الذي في غلاف (١)، وهذا نظيرُ ما أخبر اللهُ به عن المشركين في قوله: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} [فصلت: ٥].

ثم أكذبهم اللهُ في زعمهم عدمَ الفهم لِمَا جاء به الرسولُ، فبيَّن سبحانه أنَّ عدم إيمانهم بسبب أن لعنهم الله بسبب كُفْرهم أوَّل مرة، وطبع على قلوبهم كما قال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥)} [النساء: ١٥٥]، وقال هنا: {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (٨٨) واللعن من الله: هو الإبعاد من الرحمة.

ثم أخبر تعالى عن حال اليهود مع القرآن فقال: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ}: أي القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ومن نعته أنه مصدقٌ لِمَا معهم من كتب الله، وهي التوراة والإنجيل؛ أي: شاهدٌ لها بالصِّدق؛ كما في قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ} [آل عمران: ٣ - ٤]، ودالٌّ على ما دلَّت عليه من أصول الإيمان.


(١) ينظر: «غريب القرآن» لابن قتيبة (ص ٥٧)، و «المفردات» للراغب (ص ٦١٢).

<<  <   >  >>