للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيم (٢٤٤) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون (٢٤٥)} [البقرة: ٢٤٤ - ٢٤٥]:

هذا أَمرٌ من الله لعباده المؤمنين بقتال الكفار والمشركين في سبيل الله؛ أَي: إِعلاءً لكلمة الله، ويُعلمهم تعالى أَنه سميعٌ لأَقوالهم ودعائهم، عليمٌ بإسرارهم وإعلانهم، ثم يدعوهم إلى الإِنفاق في سبيله بقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا}، والاستفهامُ للترغيب والتشويق، وسمَّى اللهُ ما يُنفَقُ في سبيله قرضًا؛ لأَنَّه مردودٌ عليهم أَضعافًا مضاعفة، ولهذا قال تعالى: {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}، ويُفسِّرُ هذا التضعيفَ وهذه الكثرة قولُه تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاء}؛ أي: أكثر من ذلك {وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم (٢٦١)} [البقرة: ٢٦١]، والقرضُ الحسنُ ما كان لله وعن طِيبِ نفسٍ.

وفي قوله: {يضاعف} قراءات: بالأَلف بعد الضاد وكسر العين مع فتح فاءِ الفعلِ وضمِّها، وقرأَ بتشديد العين مع فتح الفاءِ وضمِّها؛ فهذه أربع قراءات (١)، والفاءُ إِمَّا سببيةٌ فيُنصَبُ الفعلُ بعدها، وإمَّا عاطفةٌ فيُرفَعُ الفعلُ بعدها.

وقوله تعالى: {وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ}: أَي: إِنَّ اللهَ بحكمته البالغة يقبض عمَّن يشاء فيقدر عليه {وَيَبْسُطُ}؛ أَي: يوسِّع على مَنْ يشاء، ثم إليه يرجعُ العبادُ فيجزيهم بما عملوا من القتال والإنفاق في سبيله.

{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أَي: لإِعلاء دينِه {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لأَقوالِكم {عَلِيمٌ} بأَحوالِكم، فمُجازيكم {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ}


(١) ينظر: «السبعة» لابن مجاهد (ص ١٨٤)، و «النشر في القراءات العشر» (٢/ ٢٢٨).

<<  <   >  >>