للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُون (١٥٩) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيم (١٦٠)} [البقرة: ١٥٩ - ١٦٠]:

يذمُّ -تعالى- في هذه الآية ويتوعَّدُ الذين يكتمون ما أنزل الله مِنْ الآيات البيِّنات وما فيها من الهدى فأخبر أنه -تعالى- يَلعنُهُم، ويلعنُهم اللَّاعنون، واللَّعْنُ هو: الإبعاد عن رحمة الله (١)، واللَّعنُ مِنْ الله يكون قولًا وفعلًا، ومن العباد دعاءً.

وقوله: {اللاَّعِنُون}: يشمل: الملائكة والناس، وفي ذلك تعريضٌ باليهود في كِتمانهم لصفة النبي صلى الله عليه وسلم، أو هم المَعنيُّون بالآية، وعلى ذلك ففيها عَوْدٌ إلى ذِكر مذامِّ اليهود ومساويهم، وقد استثنى سبحانه وتعالى من هذا الوعيد الذين تابوا من كِتمان آياتِ الله وأصلحوا أعمالَهم وبيَّنوا ما قد كتموا، فقال تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُوا}، ثم أكَّد سبحانه وتعالى هذا الاستثناء بالوعد المؤكّد لأنه يتوبُ عليهم، فقال: {فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ} يعني: يقبل توبتَهم، وأكَّد هذا الوعدَ بأنه -تعالى- {التَّوَّابُ الرَّحِيم (١٦٠) فتوبتُه على التائبين هو مِنْ مقتضى هذين الاسمين: التواب الرحيم.

ونزلَ في اليهود {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ} الناس {مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} كآية الرجم ونعت محمد {مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ} التوراة {أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ} يبعدهم من رحمته {وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} الملائكة والمؤمنون، أو كل شيء: بالدعاء عليهم باللعنة. {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}


(١) ينظر: «غريب القرآن» لابن قتيبة (ص ٢٦).

<<  <   >  >>