لَمَّا أَمر اللهُ في الآيات السابقة بالإنفاق والصدقات وأثنى على المنفقين في سبيله ووعدَهم الأَجرَ العظيم عنده ونفى عنهم الخوفَ والحزنَ وذمَّ المُتْبعين صدقاتِهم المنَّ والأذى والمرائين فيها؛ ذَكَر تعالى في هذه الآيات ضدَّ المحسنين إلى الناس بأَنواع النفقات فرضِها ونفلِها، بالليل والنهار، سرًّا وعلانيةً، وضدُّ المحسنين هم الظالمون للناس؛ وهم أَكلةُ الربا أَضعافًا مضاعفةً، فأَخبر تعالى عن سوء حالِهم يومَ القيامة إذا قاموا من قبورهم، وأَنهم يقومون بهيئة المجانين، وهذا معنى قوله تعالى:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}، وذلك بسبب استحلالهم الربا حتى قالوا:{إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}، فردَّ اللهُ عليهم قولَهم فقال سبحانه:{وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}.
ثم أَخبر تعالى أَنَّ مَنْ انتهى عن أَكل الربا بعدما جاءته موعظةٌ من ربِّه بالنهي عن الربا؛ فإنه يحلُّ له ما كسبه في الجاهلية؛ لأَنَّه معذورٌ بجهله، وأَمرُه إلى الله، يحكمُ فيه بحكمه العدلِ ويعفو عنه، وأَنَّ مَنْ عاد لأكل الربا بعد إسلامه وبعد نزول الآيات في تحريم الربا فذلك هو الظالمُ المستوجبُ لوعيد الله، ولهذا قال تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون (٢٧٥)}. فدلَّت الآيةُ على أَنَّ أَكل الربا من كبائر الذنوب، فمَن كان مُستحلًّا لأَكل الربا فهو كافرٌ مخلَّدٌ في النار كسائر الكفرة، ومَن لم يكن مستحلًّا فالوعيدُ بالخلود مخصوصٌ بمَن لم يتبْ، وبمَن لم يَقمْ به مانعٌ؛ وهو التوحيدُ، فإنَّه لا يخلدُ في