للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولُه تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥)} [البقرة: ١٤ - ١٥]:

يُخبرُ - تعالى - أنَّ المنافقين إذا لقوا المؤمنين أظهروا الإيمانَ بقولهم: {آمَنَّا}، وإذا ذهبوا إلى شياطينِهم - وهم كبراؤهم ورؤساؤهم - وخَلَوا بهم اعتذروا إليهم عن قولهم للمؤمنين: {آمَنَّا} بأنهم مُستهزئون، والاستهزاء: نوعٌ من المَكر بإظهار ما يحبُّه المستهزَئُ به وإخفاء ما يسوؤه.

ثم أخبر - تعالى - أنه يَستهزئُ بهم كما فعلوا مع المؤمنين، ومِن استهزائِه - تعالى - بالمنافقين: إظهارُ قبولِ إيمانهم بعصمة دمائِهم وأموالِهم واعتبارهم في عِداد المؤمنين والعيش بينهم، وقد أعدَّ اللهُ لهم الدَّرْكَ الأسفل من النار، فكان الجزاء من جنس العمل، ومع استهزاء الله بهم يُملي لهم ليزدادوا طغيانًا، وهم: {يَعْمَهُونَ}؛ أي: يتحيَّرون لا يهتدون سبيلًا (١).

ثم أخبر - تعالى - عن جزاءِ المنافقين على استهزائِهم بالمؤمنين، وذلك أمران:

الأول: أنَّ الله يستهزئُ بهم وهذا من باب أنَّ الجزاء من جنس العمل، وتقدَّمَ تفسير: الاستهزاء مِنْ الله بالمنافقين.

الثاني: أملى اللهُ لهم بجعلِهم يتمادَون في طغيانهم، وهذا معنى: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) وفرَّقَ أهلُ اللغة والمفسرون بين: مَدَّ يَمُدُّ، وأمدَّ يُمِدُّ؛ فقالوا: مَدَّ في الشر، وأمدَّ في الخير (٢). والطغيان: مجاوزةُ الحدِّ في الباطل. وقوله: {يَعْمَهُونَ} يتحيَّرون.


(١) ينظر: «المفردات» (ص ٥٨٨).
(٢) حكي عن يونس بن حبيب الجرمي. ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٣١٩)، و «لسان العرب» (٣/ ٣٩٢).

<<  <   >  >>