للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ مُّلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين (٢٢٣)} [البقرة: ٢٢٣]:

يُخبر تعالى عبادَه المؤمنين أَنَّ نساءَهم -وهن زوجاتهم- مزدرعٌ لهم وموضع حرثٍ لهم، بوضع النُّطف في أَرحامهنَّ، فينشأُ عن ذلك الولدُ؛ كوضع الحبِّ في المزدرع من الأرض، وينشأُ عن ذلك الزرعُ والشجرُ والحبُّ والثمرُ.

وقوله: {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ}: أي: جامعوا نساءكم من أَيِّ وجهٍ شئتم، من قُبلها ومن دُبرها في موضع الحرثِ وهو القُبُل، لكن دلَّ الكتابُ والسنَّةُ على تحريم أَمرين: إتيان النساءِ في أَدبارهنَّ، وفي مكان الحيضِ.

وقد ثبت في سبب نزولِ هذه الآية كما في الصحيحين: أَنَّ اليهودَ كانوا يقولون للمسلمين: إذا أتى الرجلُ امرأته من دُبرها في قُبلها كان الولدُ أَحولَ، فأَنزل اللهُ هذه الآية ردًّا عليهم (١)، فعُلم مما تقدَّمَ الفرقُ بين إِتيان المرأة من دُبرها في قُبلها، وإتيانها في دبرها، فالأَولُ: حلالٌ بالاتفاق؛ لقوله تعالى: {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. والثاني: حرامٌ لِمَا استفاضَ من الأَحاديث والآثار الدالةِ على تحريم ذلك (٢)، وأَمَّا ما رُوي من الآثار المخالفة لذلك؛ فهي بين أَمرين: إِمَّا أنها لم تصحَّ، أو تكون محمولة على المعنى المجمع على إباحته، وهو إتيان المرأة من دُبرها في قُبلها، كما حقَّقَ ذلك العلامةُ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في تفسيره (٣).


(١) أخرجه البخاري (٤٥٢٨)، ومسلم (١٣٣٥) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(٢) النهي عن وطء النساء في أدبارهن رواه غير واحد من الصحابة؛ كخزيمة بن ثابت، وأبي هريرة، وابن عباس، وعلي بن طلق، وعبد الله بن عمرو، وأنس، وأُبي بن كعب، وابن مسعود، وعقبة بن عامر، وعمر، وجابر بن عبد الله، وغيرهم، وإن كان في بعضها مقال لكن مجموعها يعطي قوة للخبر؛ خاصة مع ثبوت ما ورد عن الصحابة في تحريم هذا الفعل. ينظر: «شرح معاني الآثار» للطحاوي (٣/ ٤٣ - ٤٦)، و «نظم المتناثر» (ص ١٤٩، رقم ١٥٩).
(٣) «أضواء البيان» (١/ ١٦٩ - ١٧٣)، و «العذب النمير» (٣/ ٥٥٥ - ٥٥٧). وانظر: «زاد المعاد» (٤/ ٢٥٧ - ٢٦٤).

<<  <   >  >>