للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ}: أَي: قدِّموا لأَنفسكم من الأَعمال الصالحة ما تجدونه عند الله موفورَ الأَجر مشكورًا، ولا يشغلنكم عن ذلك التمتع بلذَّات الدنيا، وبذا تظهرُ مناسبةُ قولِه تعالى: {وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ} لِمَا قبله.

وقوله: {وَاتَّقُواْ اللّهَ}: أي: اتقوا سخطَه وعذابَه باجتناب محارمه.

وقوله: {وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ مُّلَاقُوهُ}: أَي: يومَ القيامة، فمُجازيكم بأعمالكم حَسنِها وسَيِّئِها، وفي هذا تأكيدٌ لقوله: {وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ}.

وقوله: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين (٢٢٣)}: أَمرٌ من الله لنبيِّه أَنْ يُبشِّرَ المؤمنين لِمَا أَعدَّ اللهُ لهم من الأَجرِ الكبير والفوزِ العظيمِ.

{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} أَي: محلُّ زرعكم الولدَ {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} أَي: محلَّه؛ وهو القُبُل {أَنَّى} كيف {شِئْتُمْ} من قيامٍ وقعودٍ واضطجاعٍ وإِقبالٍ وإِدبارٍ؟ نزل ردًّا لقول اليهود: مَنْ أَتى امرأته في قُبلها من جهة دُبرها جاء الولدُ أَحول {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} العملَ الصالحَ؛ كالتسمية عند الجماع {وَاتَّقُوا اللَّهَ} في أَمره ونهيه {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ} بالبعث، فيُجازيكم بأعمالكم {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} الذين اتقوه بالجنة.

وقولُ المؤلِّف: (أَي: محلَّ زرعكم الولدَ): في هذا تشبيه المرأةِ أَوْ رحمِ المرأةِ بالأرض التي يُوضعُ فيها البذرُ، وتشبيهُ النطفةِ بالبذر والولدِ بالزرع كما جاء في الحديث: ((لا يحلُّ لمن يؤمنُ بالله واليوم الآخر أَنْ يسقيَ ماءَه زرعَ غيره)) (١)، المعنى: لا يحلُّ للمؤمن أَنْ يطأَ الحاملَ من غيره.


(١) أخرجه أحمد (١٦٩٩٧) وأبو داود (٢١٥٨)، والطبراني في «الكبير» (٤٤٨٢) من طرق، عن محمد بن إسحاق، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن أبي مرزوق التجيبي، عن حنش الصنعاني، عن رويفع بن ثابت الأنصاري، به.
وهذا إسناد لا بأس به، رجاله ثقات رجال الصحيح غير أبي مرزوق مولى تجيب -وهو ربيعة بن سليم أو ابن أبي سليم- فهو مجهول، وقال عنه الحافظ في «التقريب» (١٩٠٥) «مقبول»، وقال في موضع آخر: «ثقة»، وسماه حبيب بن شديد. «التقريب» (٨٣٥٢).
وأخرجه الترمذي (١١٣١) من طريق يحيى بن أيوب، عن أبي مرزوق التجيبي، به. وقال الترمذي «هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن رويفع بن ثابت».
وقد توبع أبو مرزوق؛ تابعه الحارث بن يزيد: أخرجه أحمد (١٦٩٩٢) من طريق يحيى بن إسحاق، عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن حنش الصنعاني، به.
والحارث بن يزيد -وهو الحضرمي المصري- ثقة، «التقريب» (١٠٥٧)، لكن ابن لهيعة ضعيف وخلط بعد احتراق كتبه، «التقريب» (٣٥٦٣)، ويحيى بن إسحاق -وهو السيلحيني- من قدماء أصحابه كما ذكر الحافظ في «التهذيب» في ترجمة حفص بن هاشم بن عتبة (٢/ ٤٢٠، رقم ٧٢٩).
فالحديث نرجو أنه حسن بطريقيه، وقد صححه ابن حبان (٤٨٥٠)، وحسنه الترمذي (١١٣١)، والبزار (٢٣١٤)، والألباني في «الإرواء» (٢١٣٧)، و «صحيح أبي داود» (١٨٧٤).

<<  <   >  >>