للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {* أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُون (٢٤٣)} [البقرة: ٢٤٣]:

هذه الآيةُ والآياتُ التي تتلوها في هذا الرُّبع عَودٌ إلى موضوع القتال، ولَمَّا كان القتالُ مكروهًا بالطبع لِمَا يُفضي إليه من الموت؛ بدأت هذه الآياتُ بذكر قصةِ أُولئك القومِ الذين خرجوا من ديارهم فرارًا من الموت بسبب وباءٍ نزل بديارهم، أَوْ بسبب خوفٍ من عدوٍّ فخرجوا من ديارِهم؛ فرارًا منه وجُبنًا عن قتالهم (١).

وقوله: {أَلَمْ تَرَ}: الخطابُ للنبي صلى الله عليه وسلم أَوْ لكلِّ مَنْ يَصلُحُ للخطاب، والاستفهامُ للتقرير، فقولُه: {أَلَمْ تَرَ} أَي: أَلم تعلم، وضُمَّنَ الفعلَ معنى: ينتهي، ولذا عُدِّي بـ «إلى»، وتقديرُه: أَلم ينتهِ علمُك إلى أُولئك القومِ الذين خرجوا من ديارهم (٢)، والحالُ أَنهم كثيرٌ يبلغون الأُلوفَ، خرجوا فرارًا من الموت، فأَماتهم اللهُ بقوله: {مُوتُوا}، ولم يُغنِ عنهم الفرارُ شيئًا. وقولُه: {وَهُمْ أُلُوفٌ}: يرجحُ أَنهم فرُّوا خوفًا من عدوٍّ، فكان فرارُهم جُبنًا، فلم يُغنِ عنهم ذلك الفرارُ شيئًا، وقال لهم اللهُ: {مُوتُوا} فماتوا، ثم أَحياهم سبحانه وتعالى ليدلَّ على قُدرته تعالى على البعث، ثم نوَّه تعالى بفضله العظيم على الناس الذي يستحقُّ الشكرَ عليه، ثم أَخبر أَنَّ {أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُون}، والشكرُ: تعظيمُ المنعمِ بالقول والفعل، بالقلب واللسان والجوارح (٣).


(١) ينظر: «تفسير الطبري» (٤/ ٤١٤ وما بعدها)، (٤/ ٤٢٤)، و «المحرر الوجيز» (١/ ٦٠٩).
(٢) ينظر: «معاني القرآن» للزجاج (١٨/ ٣٢٢)، و «التبيان في إعراب القرآن» (١/ ١٩٣)، و «الدر المصون» (٢/ ٥٠٥).
(٣) ينظر: «مجموع الفتاوى» (١١/ ١٣٤)، (١١/ ١٣٥) ما بعدها، (١٤/ ٣٠٨)، «مدارج السالكين» (٢/ ٥٩٣ - ٥٩٤).

<<  <   >  >>