يخبرُ - تعالى - في هاتَين الآيتَين عن هؤلاء المنافقين أنهم إذا قيل لهم:{لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} بالكفر والمعاصي والصدِّ عن سبيل الله {قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١)}، فجعلوا الإفسادَ إصلاحًا إمَّا جهلًا وإمَّا عِنادًا، وهذا كقولهم في الآية الأخرى: {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (٦٢)} [النساء: ٦٢]، فأكذبَهم الله بقولهم: {قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١)}، وأخبر خبرًا مؤكدًا أنهم {إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (١٢)} أي: لا يعلمون.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} أي: لهؤلاء {لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض} بالكفرِ والتعويقِ عن الإيمان {قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} وليسَ ما نحن فيه بفسادٍ، قال الله - تعالى - ردًّا عليهم {أَلَا} للتنبيهِ {إنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يشعرون} بذلك.
وقولُ المؤلِّف:(لهؤلاء): الإشارة إلى مَنْ تقدَّم ذكرهم قريبًا، وهم: المنافقون.
وقولُه:(بالكفرِ والتعويقِ عن الإيمان): هذا تفسيرٌ للإفساد في الأرض، ولا ريب أن الكفر والصدَّ عن دين الله أعظم فسادٍ وإفسادٍ، كما أن الإيمان والدعوةَ إلى الله أعظم إصلاحٍ في الأرض؛ قال تعالى:{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}[الأعراف: ٥٦] وقولهم: {إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}: دعوى كاذبة تتضمنُ مغالطةً وهي نفيُ الفساد عن عملهم وأنه إصلاح.